توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دولة الرسول ودولة الناس (3)

  مصر اليوم -

دولة الرسول ودولة الناس 3

بقلم - عادل نعمان

.. ولعلك أيها القارئ العزيز ترى أن أهم ما يميز دولة الرسول هذا المدد الإلهى فى التشريع والأحكام، حين يحزب المسلمون الأمر، أو تضيق عليهم الدروب والمسالك، أو يشق عليهم ما كان قائما، إلا أنها لم تستحوذ تمامًا على حياة الناس وأعمالهم ومعاملاتهم، أو تستقطبهم وتفصلهم عما ألِفوه واعتادوه، فيغتربون وينعزلون.. وكان للرسول بحكم الولاية والريادة والقيادة نصيبٌ من هذه التشريعات منفرد أو بالمشاورة، يعود عنها ويراجعها إذا لزم الأمر، وللناس وعاداتهم ومكتسباتهم الحضارية المتتابعة والبيئة الولادة والتفاعل مع الغير نصيب أيضا منها، يستبدلون وينسخون ويعدلون منها ما شاءوا واحتاجوا، فلم تكن الأحكام متعارضة، بل كانت مناسبة ومتوافقة، فما نزل من عند الله كله خير، وما آتاهم الرسول وهم أحباؤه ورعاياه كله نفع ومصلحة، وما جاء به الناس عبر الزمن هو انتخاب واختيار لما ارتضاه الناس وألِفوه واخترعوه وشرعوه عبر الحقب المتتالية.. وهذه هى الحياة كى تسير سيرتها الطبيعية، ويحتملها الناس دون عناء أو غربة أو مشقة.

وعن المدد الإلهى فى التشريع، فقد نسخ الله عن نفسه منه ما شاء وعدله، وقال فيه: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).. و«النسخ» يعنى الرفع والإزالة، أو قل إلغاء «بغير»، ولا نشك فى أن النسخ ما هو إلا لمصلحة العباد، وما استدعى من تعديل فقد استجاب الله له ورفعه وعدله، وإلا فما كان يعجز الله أن يأتينا بالناسخ «الحكم المعدل» دفعة واحدة، وعلى الناس السعى إليه وترك ما فى أيديهم.. إلا أن هذا يعارض مسيرة الحياة وحركتها الطبيعية الهادئة الساكنة، وكذلك التمدن والرقى المتدرج الواقعى، فتتخاصم الطرق ويضطرب الناس وتختل الموازين.

ولنا بعض الأمثلة «المنقول والمتواتر».. المثال الأول: الآية (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)؛ فرض عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك مالا للوالدين والأقربين الذين لا يرثونه دون تفريط.. قد نسخت وبدلت بالآية (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ).. الخ الآية.

المثال الثانى: الآية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، والصوم كان اختياريا فمن يقدر عليه ولا يصوم ففدية طعام مسكين، نُسخت بالآية (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وألزم الجميع بالصوم عدا المريض ومن على سفر فعدة من أيام أُخر. المثال الثالث: الآية (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم)، فإن كف الكافرون عن قتالكم وتابوا فإن الله غفور رحيم، نسخت بالآية «آيات السيف» (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ). المثال الرابع: الآية (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) نسخت بالآية (إنما الصدقات للفقراء والمساكين ).. إلخ الآية.. والأمثلة كثيرة.

إلا أن الإفراط والتوسع فى النسخ دون الحاجة يوقع الناس فى حيرة أيضا، وقد كان من الأفضل للفقهاء أن يضيّقوه كثيرا، فمثلًا فى حالة نسخ آيات الموادعة بآيات السيف وقتال المشركين، فلماذا لا تكون «آيات السيف» كما أطلقوا عليها «وأمر القتال تكليف خاص بأصحاب النبى وليس غيرهم، وأن المقصود بالمقاتلين هم المشركون فى حينهم وزمانهم فقط، ولا تنسحب على كل المشركين وكل الأزمان والأمصار، وهى عداوة لا طائل منها، ونجنى ثمارها الآن، على أن نعتبر آيات الموادعة والمسالمة هى أصل التعامل مع الجميع، إلا فى حالة العدوان، فيحكمها (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).. وتستكمل بالآية (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) فليس هناك أعدل من هذا، وهو الأقرب إلى فضل الله ورحمته على عباده.. وهو رأى له جمهور أيضا.

وإذا كان النسخ مرهونا بتغير الأحوال، وقدرة الناس وطاقاتهم، وتعارض الحكم مع واقع جديد ومرهون بسير الحياة ومسارها وطبائع الناس وما يعتريها من تغيير وتبديل، واحتياجات الناس وما يستجد فيها من مستحدثات وما يتراكم عليها من متغيرات، وما استيسرت به الأيام، وما تهيأت له النفوس والأحوال وما طرأت عليها من علل وأسباب، وما اجتمع عليه الناس من تغييره وتبديله ليتوافق مع الحاجة والمصلحة، فإذا قبض الرسول وهو المرسل والوسيط بين السماء والأرض، وحامل الناسخ ورافع المنسوخ، والنسخ واجب وملزم يوما بعد الآخر.. فمن يا ترى يحمل هذه المهمة سوى العقل؟!.

والمقصود بالعقل هو عقل الأمة وضميرها، وقرارها المدروس دراسة علمية متخصصة، كلٌّ فى مجاله، والمنهج العلمى فى التنفيذ يراعى كل الأبعاد والزوايا دون مواربه.. المحايد المحافظ المرتب لا تتعارض أحكامه مع مصالح الناس وقيمهم ومبادئهم، ويحافظ على الأوطان والمواطن وحقوق الناس وحياتهم وممتلكاتهم، ويصون أديانهم وشعائرهم ومقدساتهم.. فلا أصدق ولا أولى من هذه الصلة والواسطة بين السماء والأرض.. العقل!!.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دولة الرسول ودولة الناس 3 دولة الرسول ودولة الناس 3



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt