توقيت القاهرة المحلي 08:58:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التسلط الاستهلاكى

  مصر اليوم -

التسلط الاستهلاكى

بقلم - سامح فوزي

تنتج المجتمعات حتى تستهلك، فليس الاستهلاك عملا سلبيا، لكنه يؤدى وظيفة فى الاقتصاد. فماذا لو انخفض استهلاك المجتمع إلى حدوده الدنيا؟ سوف يقل الإنتاج، وتضطر المصانع إلى تخفيض العمالة بها، وتزداد البطالة، وقد يتجه بعض الأعمال إلى إغلاق أبوابها. ولكن إذا تسلطت حمى الاستهلاك على البشر، فإن النتائج قد تكون عكسية، حيث تقل قدرة الناس على الادخار، وينفقون كل ما فى جيوبهم، وقد تستبد بعقولهم تطلعات الاستهلاك، ويتجهون إلى الاستدانة أو الاكتئاب أو محاولة الكسب بأى سبيل، فى الوقت الذى تزداد معدلات استيراد السلع غير الضرورية حتى تلتهم الرصيد المتاح من النقد الاجنبى.
ترتفع أسعار السلع منذ فترة فى المجتمع، وتزداد معدلات التضخم، ويشكو الناس من أن القدرة الشرائية للجنيه فى انخفاض، بينما أسعار السلع فى ارتفاع. وهناك من المحللين الاقتصاديين من يقولون إن القادم قد يكون أسوأ، حيث تستمر أسعار السلع فى الصعود، بينما يزداد انخفاض قيمة الجنيه. ومنذ أيام صار حديث الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعى ارتفاع أسعار وجبات أحد محلات الوجبات الجاهزة الشهير، وكأن الناس تعيش على هذه الوجبات، أو أن هذا يمثل أسلوب الحياة فى المجتمع. وأظن أن هذا نتاج عقلية الاستهلاك التى غرست فى حياة المصريين، إلى حد أن المرء عندما يمر على محل الوجبات الجاهزة المشار إليه تجد كل الطاولات مشغولة، وطابور أمام المكان المخصص لتسليم الوجبات، وعمال خدمة توصيل المنازل يعملون بكثافة فى الشارع. إذا عدنا إلى سبعينيات القرن الماضى لم يكن أهل مصر يأكلون الوجبات الجاهزة، بما تحمله من مضار صحية، مثلما كانت مجتمعات فى أفريقيا لا يعرفون الدقيق فى صناعة الخبز بل لديهم محاصيل أخرى محلية يصنعون منها الخبز، وكانت الرضاعة الطبيعية هى أساس إطعام الأطفال حديثى الولادة قبل ان ينتشر اللبن الصناعى. ما الحكاية؟ القصة باختصار أن الشركات العالمية الكبرى عرفت كيف تغزو المجتمعات بالإعلان والإبهار وتصدير شكل حياة الغرب إليها حتى تغير من نمط الحياة اليومية، وتجد أسواقا رائجة لمنتجاتها. وقد حدث ذلك بالفعل، مما وضع ضغوطا شديدة على ميزانيات الدول، كما قلصت بشدة من القدرات المالية للأفراد، الذين يلهثون وراء شراء المنتجات.
ولا يشمل التسلط الاستهلاكى استهلاك المادة فقط، ولكنه يمتد ليشمل استهلاك الانسان ذاته من خلال استعراض الوجاهة، والجمال، وممارسة الاستعلاء الطبقى، وقد ساعدت السوشيال ميديا على انتشار المباهاة والافتعال الطبقى.
الملفت أن مصدرى التسلط الاستهلاكى ليسوا من دعاة الاستهلاك البذخى، ويكفى أن ننظر إلى نمط حياة الأسرة الغربية من الطبقة الوسطى، كيف أنهم لا يعيشون بالحياة المصدرة لنا، ويختارون نهجا استهلاكيا فى الحياة، لا يعرف البذخ، أو الترف، أو المغالاة فى الاستهلاك.
أظن أن الحياة تدفعنا إلى أن نعيش بهذه العقلية حتى نستطيع أن يعيش هذا المجتمع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسلط الاستهلاكى التسلط الاستهلاكى



GMT 05:34 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

GMT 01:01 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

‎ لماذا دخل نتنياهو رفح؟

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 00:31 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة
  مصر اليوم - أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة

GMT 14:26 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 00:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الكويت يتأهل إلى نهائي كأس ولي العهد بهدف قاتل على النصر

GMT 21:03 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

أياكس أمستردام يضم مدافع منتخب الأرجنتين

GMT 12:23 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

"جبل الصايرة البيضاء" موقع سياحي مهجور رغم إمكاناته الكبيرة

GMT 11:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طوارئ في مطار القاهرة استعدادًا للتفتيش الأمنى الأميركي

GMT 19:40 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث أشجار الأمازون ونصف أنواعها مهددة بالإندثار

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

يرقة الفراشة اليابانية تتحول إلى براز لتحمي نفسها من الطيور

GMT 04:24 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

دعاء اليوم الرابع عشر من رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon