توقيت القاهرة المحلي 16:07:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

بقلم - سامح فوزي

فى بعض المجتمعات الغربية يسير شاب بكاميرا فى الشارع، ويجرى مقابلات مع فتيات تبث على قناة «اليوتيوب»، وربما بعض القنوات التلفزيونية المحدودة. يدور الحديث حول أسئلة تبدو خاصة، لكن تسمح الثقافة هناك بطرحها، مثل هل سبق لك ممارسة الجنس؟ هل تفضلين ممارسة الجنس مع شخص مختلف فى اللون؟..... الخ، وغيرها من الأسئلة التى لا تبدو معتادة أو مقبولة فى مجتمعنا، لكنها عادية فى مجتمعات أخرى. للأسف، لاحظت فى الفترة الأخيرة على قناة اليوتيوب محاكاة ساذجة فجة فى المجتمع المصرى لهذا اللون من النماذج الإعلامية من خلال شخص يمضى بكاميرا يسأل الفتيات أسئلة خاصة، ليس بشكل مباشر، مثلما يحدث فى المجتمعات الغربية، ولكن بطريقة مفعمة بالإيحاءات الجنسية الفجة، وهو ما يمثل إعادة انتاج الابتذال الذى يسود الشارع فى شكل إعلامى.
تشكل هذه الممارسة الإعلامية امتدادا لاعتقاد متوارث هو الوله، والاعجاب الخفى والمستبطن بالمستعمر القديم، حتى إن لم يدرك المرء الظاهرة الاستعمارية ذاتها أو يعيش دروبها، ويعنى الاعجاب بالمتسلط، والمتفوق، والاعتقاد أن بلوغ التقدم الذى بلغه المستعمر يكون فى تقليده فى كل شىء دون تحقيق انجاز حقيقى.

عندما درست منذ سنوات ظاهرة المجتمع الاستهلاكى فى المجتمعات النامية، ومن بينها مصر، كان أحد الأسباب الرئيسية هو التقليد الأعمى لكل ما هو وارد من الغرب. وهو ما يسميه البعض ــ على سبيل التندر ــ عقدة الخواجة. ويعنى الاعتقاد أن بالإمكان أن نكون مثل الخواجة المتقدم إذا ارتدينا مثله، وتصرفنا على شاكلته، وتحدثنا مثلما يتحدث. وقد أدى ذلك إلى تمزقات نفسية حادة فى المجتمع، بين تيارات دينية سلفية ترى الماضى هو النموذج، وتستخدم الحاضر كأدوات لترويج التشدد، وبين متغربين، يرون أن التقدم يتحقق عن طريق محاكاة الغرب فى الصورة والشكل والموضة.
أظن أن الغرب أبدع منجزات حضارية مهمة يمكن أن نحاكيها، ونستفيد منها، ونتعلمها فى مجالات العلم، والفنون، وبناء المؤسسات الحديثة، ووسائل الاتصال الحديثة، واحترام حقوق الإنسان، والسياسات الاجتماعية والأهم، هو التفكير العلمى فى مواجهة المشكلات، والتخطيط السليم، وتطوير نوعية الحياة. إذا حققنا ذلك، قد نبلغ ما بلغه الغرب من تقدم، وقد نتفوق عليه، ولكن لن نتقدم أو نشابه الخواجة المتقدم إذا نقلنا عنه أشكالا من السلوكيات الاجتماعية، أو المظاهر الاستهلاكية، أو الممارسات الإعلامية، التى تعبر عن الفناء الخلفى للعمل الإعلامى الهاوى، الذى لا يقدم عمق وإبهار ومهنية الإعلام الغربى.
واقع الحال أن ما اتحدث عنه يمثل إشكالية تمتد لأكثر من قرنين من الزمن منذ لحظات الانبهار الأولى التى غلبت على المصريين عند مجىء الحملة الفرنسية، وسوف تظل مستمرة، طالما أن الغرب لا يزال متقدما، ونحن لا زلنا نعيش حالة تراجع ثقافى واقتصادى واجتماعى، ولن يكون الحل فى التقليد الأعمى للغرب، أو أن نتحول إلى سوق مفتوحة لمنتجاته التى تشفى غليل نفس تائهة بين الرغبة فى التقدم، والعجز عن تحقيقه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقليد الأعمى التقليد الأعمى



GMT 16:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 05:34 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:09 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

«عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024
  مصر اليوم - «عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024

GMT 19:30 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة إعداد ورق عنب مع كوسا وريش

GMT 08:40 2014 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

التونة والدجاج تساعدان في زيادة خصوبة الزوجين

GMT 08:42 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريم البارودي تبدو أنيقة في بدلة وردية اللون

GMT 05:38 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور محمود الموجي يُبيّن أسباب رائحة الفم الكريهة

GMT 20:55 2014 الخميس ,14 آب / أغسطس

استقرار اﻷوضاع اﻷمنية في شوارع الأقصر

GMT 05:44 2015 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مربى التفاح بالقرفة

GMT 16:29 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شركة سكودا تطلق الجيل الجديد من موديل سوبيرب

GMT 11:12 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

حمو بيكا يدعم طفلة مريضة سرطان ويقدم لها هدية

GMT 16:42 2021 السبت ,12 حزيران / يونيو

فساتين صيفية بتصميمات مُريحة من وحي النجمات

GMT 17:36 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

تراتيل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon