توقيت القاهرة المحلي 10:04:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

  مصر اليوم -

التقليد الأعمى

بقلم - سامح فوزي

فى بعض المجتمعات الغربية يسير شاب بكاميرا فى الشارع، ويجرى مقابلات مع فتيات تبث على قناة «اليوتيوب»، وربما بعض القنوات التلفزيونية المحدودة. يدور الحديث حول أسئلة تبدو خاصة، لكن تسمح الثقافة هناك بطرحها، مثل هل سبق لك ممارسة الجنس؟ هل تفضلين ممارسة الجنس مع شخص مختلف فى اللون؟..... الخ، وغيرها من الأسئلة التى لا تبدو معتادة أو مقبولة فى مجتمعنا، لكنها عادية فى مجتمعات أخرى. للأسف، لاحظت فى الفترة الأخيرة على قناة اليوتيوب محاكاة ساذجة فجة فى المجتمع المصرى لهذا اللون من النماذج الإعلامية من خلال شخص يمضى بكاميرا يسأل الفتيات أسئلة خاصة، ليس بشكل مباشر، مثلما يحدث فى المجتمعات الغربية، ولكن بطريقة مفعمة بالإيحاءات الجنسية الفجة، وهو ما يمثل إعادة انتاج الابتذال الذى يسود الشارع فى شكل إعلامى.
تشكل هذه الممارسة الإعلامية امتدادا لاعتقاد متوارث هو الوله، والاعجاب الخفى والمستبطن بالمستعمر القديم، حتى إن لم يدرك المرء الظاهرة الاستعمارية ذاتها أو يعيش دروبها، ويعنى الاعجاب بالمتسلط، والمتفوق، والاعتقاد أن بلوغ التقدم الذى بلغه المستعمر يكون فى تقليده فى كل شىء دون تحقيق انجاز حقيقى.

عندما درست منذ سنوات ظاهرة المجتمع الاستهلاكى فى المجتمعات النامية، ومن بينها مصر، كان أحد الأسباب الرئيسية هو التقليد الأعمى لكل ما هو وارد من الغرب. وهو ما يسميه البعض ــ على سبيل التندر ــ عقدة الخواجة. ويعنى الاعتقاد أن بالإمكان أن نكون مثل الخواجة المتقدم إذا ارتدينا مثله، وتصرفنا على شاكلته، وتحدثنا مثلما يتحدث. وقد أدى ذلك إلى تمزقات نفسية حادة فى المجتمع، بين تيارات دينية سلفية ترى الماضى هو النموذج، وتستخدم الحاضر كأدوات لترويج التشدد، وبين متغربين، يرون أن التقدم يتحقق عن طريق محاكاة الغرب فى الصورة والشكل والموضة.
أظن أن الغرب أبدع منجزات حضارية مهمة يمكن أن نحاكيها، ونستفيد منها، ونتعلمها فى مجالات العلم، والفنون، وبناء المؤسسات الحديثة، ووسائل الاتصال الحديثة، واحترام حقوق الإنسان، والسياسات الاجتماعية والأهم، هو التفكير العلمى فى مواجهة المشكلات، والتخطيط السليم، وتطوير نوعية الحياة. إذا حققنا ذلك، قد نبلغ ما بلغه الغرب من تقدم، وقد نتفوق عليه، ولكن لن نتقدم أو نشابه الخواجة المتقدم إذا نقلنا عنه أشكالا من السلوكيات الاجتماعية، أو المظاهر الاستهلاكية، أو الممارسات الإعلامية، التى تعبر عن الفناء الخلفى للعمل الإعلامى الهاوى، الذى لا يقدم عمق وإبهار ومهنية الإعلام الغربى.
واقع الحال أن ما اتحدث عنه يمثل إشكالية تمتد لأكثر من قرنين من الزمن منذ لحظات الانبهار الأولى التى غلبت على المصريين عند مجىء الحملة الفرنسية، وسوف تظل مستمرة، طالما أن الغرب لا يزال متقدما، ونحن لا زلنا نعيش حالة تراجع ثقافى واقتصادى واجتماعى، ولن يكون الحل فى التقليد الأعمى للغرب، أو أن نتحول إلى سوق مفتوحة لمنتجاته التى تشفى غليل نفس تائهة بين الرغبة فى التقدم، والعجز عن تحقيقه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقليد الأعمى التقليد الأعمى



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt