توقيت القاهرة المحلي 01:51:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شاغل الناس حياً وميتاً

  مصر اليوم -

شاغل الناس حياً وميتاً

بقلم: حمد الماجد

في صباح لندني بارد، قرع جرس هاتف مكتبي في المركز الإسلامي بلندن. كان على الخط سفيرنا في لندن حينها الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، قال لي: «للتوّ جئت من الكويت بعد أن كرّموني هناك ومنحوني جائزة تقديرية ومبلغ ثلاثمائة ألف ريال، وأريد أن أتبرع به لصالح المكتبة التابعة للمركز، بس أرجوك يابومعتصم لا تخلّي المبلغ يضيع في متاهة نفقات المركز الإدارية، أريده للمكتبة والمكتبة فقط، ولك بعدها أن تتصرف في شراء الكتب التي تريد». شكرته ودعوت الله أن يتقبل منه. طلب مني حطاب العنزي، المدير السابق لمكتب وكالة الأنباء السعودية، أن أستأذن القصيبي في نشر الخبر، وكان لغازي مهابة عند موظفيه، فوافقت، وفي أحد لقاءاتي الخاصة بغازي نقلت له رغبة الوكالة في نشر الخبر، فحانت منه التفاتة سريعة إليّ كأنما فاجأه العرض، وقال لي: «حمد، يفرح الواحد منا أنه وُفّق لمثل هذه الصدقة، ثم تريدني أن أحرق ثوابها بوهج الإعلام؟ انسَ الموضوع». فنسيناه، لكنه راح عند مَن لا يضل ولا ينسى.
أغرب تعليق سمعته حول هذا الحوار أن أحدهم قال لي: واضح أن السفير يريدك أن تكون قناة لتلميع شخصه. قلت له: حسناً، هب أنني سقت هذا الخبر في مجلس أو مجلسين أو عشرة، وهب أن العدد الإجمالي للذين لمَّعت لهم صورته وصل للمائة أو المائتين أو حتى الخمسمائة، كيف تقارن هذا العدد بعشرات الملايين الذين كان سيصلهم خبر التبرع لو أنه أذن لوكالة الأنباء بنشره؟
يؤسفني أن هذا هو نمط التقييم السائد في عالمنا العربي الذي تقول قاعدته: إما أن تكون قديساً وإما أن تكون إبليساً، ولا يوجد في الألوان إلا الأبيض والأسود، ولا ننظر في الأكواب إلا إلى الجزء الفارغ.
لقد تصور البعض أن النزالات التي خاضها القصيبي مع عدد من الدعاة في التسعينات كانت معارك مع الإسلام ذاته، وأن الخصومة مع بعض الإسلاميين كانت خصومة مع الإسلام. وهذا في تقديري خطأ جسيم ساق «بعضاً قليلاً» إلى انفصام نَكِد في تقييم شخصية وأعمال واجتهادات غازي وغير غازي. فلأنه وقر في العقل الباطن عند البعض أن خصومته كانت مع الإسلام، فلم يستوعب ولم يفهم الأعمال الإسلامية التي عملها الرجل، مثل: وطنيته الصادقة في خدمة المواطن التي هي في الميزان الرباني أعظم من بعض العبادات التي لا ينتفع إلا صاحبها، والمشاعر الإسلامية المتدفقة في بعض أعماله الأدبية، واهتمامه الكبير بالثقافة الإسلامية ومدارسته المتكررة لعدد من طلبة العلم حول عدد من المسائل الشرعية، ومبادرته في إقامة شعيرة صلاة الجمعة في سفارة السعودية في لندن ومواظبته على هذه الصلوات، وغير ذلك كثير، حتى أدى هذا الانفصام النَّكِد والحدّية في التقييم إلى الحكم على هذه الأعمال وعلى صاحبها بأحكام قاسية ندم عليها مَن أطلقها بعد أن نضج وراجع مواقفه.
هناك فرق شديد بين أن تقول إن لفلان خصومة مع الإسلام وأن تقول إن للقصيبي أعمالاً وأفكاراً واجتهادات ورؤى وروايات وقرارات بعضها صواب وبعضها اجتهادات خاطئة. ولو أننا سلكنا المسلك المنصف في تهذيب وتقييم الأعمال والرجال، لكنا وفّرنا على ديننا وعلى أوطاننا وجهودنا وتنميتنا خصومات عدمية ضررها أكبر من نفعها.
هذه سوانح سبق أن كتبتها عن غازي، رحمه الله، أعيدها بعد أن أحيا الناس ذكرى مرور 9 أعوام على رحيله، والحقيقة، كما يقول الصديق د. زياد الدريس في تغريدته «إن القصيبي رحل ولم يرحل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاغل الناس حياً وميتاً شاغل الناس حياً وميتاً



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:09 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

«عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024
  مصر اليوم - «عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024

GMT 09:02 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 2

GMT 15:01 2021 الإثنين ,26 تموز / يوليو

أحمد مجدي يشارك كواليس مسلسل "الآنسة فرح "

GMT 11:30 2021 الأحد ,18 إبريل / نيسان

تعرف على مدة غياب هاري كين عن صفوف توتنهام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon