توقيت القاهرة المحلي 22:02:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بوتين والروليت الروسي!»

  مصر اليوم -

«بوتين والروليت الروسي»

بقلم - حسين شبكشي

لا أحد يعرف تحديداً عدد الساعات التي قضاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكتبه بالكرملين في اليومين الماضيين، ولكنها كانت حتماً ساعات ثقيلة وطويلة جداً. في مكتبه المهيب والواقع تحت القباب المميزة بألوانها الجذابة والمطل على الساحة الحمراء الكبرى والقريبة من حديقة غوركي العامة الهائلة بدا بوتين يراقب تداعيات ساخنة ومتسارعة جعلت من صيف موسكو أشبه بجليد وصقيع سيبيريا في ثقله على بوتين والناس الموجودة داخل الكرملين.

التمرد العسكري الذي أعلنه قائد مجموعة مرتزقة «فاغنر» على الجيش الروسي وهدّد بدخول موسكو وإشعاله حرباً أهلية بين الروس هو الحدث الأخطر في تاريخ حقبة حكم بوتين والذي وصف ما حصل بالخيانة والطعنة من الخلف في الظهر.

وخطورة هذه الحادثة أنها تمرد انقلابي من داخل الدائرة المقربة جداً من الرئيس الروسي رجل الاستخبارات العتيق الذي يعدّ الثقة هي أغلى ما يملك، ولا يمكن أن يمنحها إلا لمن يستحق، تحطمت ثقته في أحد المقربين منه مجدداً. ليعود فلاديمير بوتين مجدداً لمرحلة الشك والتشكيك في كل مَن حوله، ولعلّه في هذه اللحظات يسترجع مقولة حكيمة جداً لرائد الأدب الروسي الأهم ليو تولستوي الذي قال عن الخيانة: «عندما تتعرض للخيانة يكون الأمر أشبه بكسر ذراعيك، يمكنك أن تسامح ولكنك لن تتمكن أبداً من العناق».

وهذه الحادثة الغريبة فتحت المجال لطرح العديد من الأسئلة في محاولة لفهم ما حصل، وخصوصاً في ظل متابعة آراء وتحليلات الخبراء على وسائل الإعلام المختلفة. فهناك مدرسة تعدّ أن «المعلم الفنان العبقري» فلاديمير بوتين ضرب الاستخبارات الغربية بمهارة بعد أن «اشترت» أجهزة الاستخبارات الغربية قائد مرتزقة «فاغنر» للقيام بانقلاب على الرئيس الروسي ليتفق بوتين مع رئيس بيلاروسيا لإقناع «فاغنر» بإنهاء التمرد وكأن الموضوع مرتب له من قبل، هذه نظرية عشاق بوتين وكارهي الغرب، وهي تفتقد إلى الأدلة والبراهين ومملوءة بالعاطفة والتمني.

للزعيم الفرنسي التاريخي نابليون بونابارت مقولة بالغة الدلالة تقول: «لا تزعج خصمك وهو يرتكب أخطاءً وحماقات»، هذا هو حال الغرب اليوم وهو يراقب حال التقاتل البيني داخل صفوف الفرق العسكرية بشقيها الرسمي وغير الرسمي مع تقهقره الواضح والمستمر وعدم قدرته على الحسم والانتصار في حربه ضد أوكرانيا.

من الواضح أن هناك ما يستدعي قلق بوتين، قلق مستمد من أداء غير مُرضٍ من قِبل الماكينة العسكرية الروسية الفتاكة والانقسامات في الآراء الموجودة فيها والتي أدت إلى نتائج متواضعة على أرض المعركة.

الإعلان عن انخراط قوات «فاغنر» في الجيش الروسي يعني انتهاء دورها بشكل رسمي، ويبدو أنه من المبكر قراءة القوى البديلة لها في مواقعها الحالية في سوريا والقارة الأفريقية على سبيل المثال، وإذا كانت التسريبات الأولوية التي تقول إن البديل سيكون بإشراف مباشر من قِبل إدارة المخابرات الروسية، فهذا تغيير جذري في إدارة المعارك والخروج من دائرة المؤسسة العسكرية والتوجه للمكان الأكثر أماناً بالنسبة إلى بوتين وهو بيته الأول: الاستخبارات.

ويبقى مصير قائد مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين غامضاً ومجهولاً، فهو اليوم مشروع قتيل مؤجل بدأ العد التنازلي بحقه، وسيبقى غامضاً وضع ومصير والدته التي كانت الرئيس الفعلي لـ«فاغنر» ومن الممكن جداً أن يكون بوتين قد ابتز بريغوجين بها، وخصوصاً أن مكانها لا يزال مجهولاً منذ الأحداث الأخيرة. بوتين يواجه خصوماً داخل الدائرة، من طباخ الرئيس السابق، وطباخ السم سيذوقه حتماً. بوتين أمامه عدد كبير من الخيارات الصعبة، ويبقى السؤال هل يستطيع أن يقدِم عليها؟ وتبقى ساحة الحرب في أوكرانيا قائمة وجيش بوتين غير قادر على حسم المعركة، فهل يضحي بوتين بوزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف ويحمّلهما مسؤولية الإخفاق والتمرد، أم تغلب عليه حاجته إلى ولاء الجيش قبل أي اعتبار آخر؟... إنها أسئلة الجريمة والعقاب والحرب والسلام في صراعات الإخوة كرامازوف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بوتين والروليت الروسي» «بوتين والروليت الروسي»



GMT 21:31 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

فصل جديد مع القضية الفلسطينية!

GMT 21:28 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تعليم الفلسفة.. وتأسيس نسبية الحق

GMT 19:56 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

الحياة لـ«التعاليم»

GMT 19:46 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

يا وزيرة الثقافة!

GMT 19:45 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«الفيتو» الأمريكى؟!

GMT 19:44 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

عبدالله عبد البارى

GMT 19:41 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«حماس» خسرت... وإسرائيل لم تربح

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 03:37 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الحكومة السورية ترفع أسعار البنزين والديزل

GMT 13:19 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مميزة من أجل اختيار أحمر شفاه جذاب في الحفلات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon