توقيت القاهرة المحلي 03:13:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طبقية!

  مصر اليوم -

طبقية

بقلم: حسين شبكشي

هل الشرُّ غريزة فطرية في الإنسان أم أنه مسألة مكتسبة؟
سؤال قديم حير الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع لسنوات طويلة جداً. والشر له أوجه متعددة ومختلفة مثل الكراهية والعنصرية والتنمر التي تفرزها المواقف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية بمختلف أشكالها وحدتها. والمتابع للمشاهد الملتهبة في كثير من المدن الأميركية نتيجة المشاكل العنصرية ضد الأميركان من أصول أفريقية يجد أنها حالة متصاعدة ومقلقة جداً، وسيكون لها تداعيات استثنائية جداً على ما يبدو.
وهذه المشكلة العنصرية ليست وليدة اللحظة، ولكنها إرث قديم وثقيل جدا أدى في لحظة زمنية معينة إلى قيام حرب أهلية مدمرة كادت تؤدي إلى تقسيم كبير بين الولايات الشمالية ومثيلاتها في الجنوب. ومنذ أشهر قليلة صدر كتاب في غاية الأهمية يغوص في أعماق هذا الموضوع المعقد من تأليف الكاتبة الصحافية الأميركية إيزابيل ويلكيرسون الحائزة جائزة «بوليتزر» العريقة للصحافة، والكتاب جاء بعنوان «الطبقية: أصول خلافاتنا». الشيء اللافت للنظر أن المؤلفة لم تستخدم في كتابها قط لفظ العنصرية، لأنها تناولت الموضوع من وجهة نظر تقسيم مجتمعي تعامل مع الشق العنصري بأنه تمييز طبقي بامتياز، وأبرزت الجوانب المؤيدة لنظريتها في الشؤون السياسية والاقتصادية والتشريعية والتعليمية بشكل مدهش ومقنع للغاية. وإذا أخذنا هذا التفسير الجديد والمختلف والصادم لمسألة العنصرية، فسيكون من الممكن تفسير كثير من المواقف السلبية والبغيضة حول العالم. ستبرز لنا مواقف تفسر نفسها «ذاتياً» مثل حالة جنوب أفريقيا التي كانت المثل الأشهر للطبقية، وقد أظهر ذلك بشكل جلي ومؤلم الروائي الجنوب أفريقي الأشهر آلان باتون الذي أبرز تلك الطبقية البغيضة في روايته الخالدة «ابكي يا أرضي المحبوبة» وتوسع في الفكرة نفسها في رواية أخرى بعنوان «آه ولكن بلادكم جميلة»، وهذا المناخ هو الذي تمخض عنه نيلسون مانديلا، وهو الذي قضى 27 عاماً في زنزانة انفرادية وعند خروجه لتسلم رئاسة البلاد لم يخرج منتقماً وغاضباً، بل طبق النهج المحمدي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام بتنفيذ عملي لفكرة اذهبوا فأنتم الطلقاء.
اختار مانديلا السلم الأهلي والسلام. عكس الخميني مثلاً الذي جاء إلى إيران عبر ثورة شعبية، وحضرت معه دوافع انتقامية شديدة ضد النظام السابق وعنصرية بغيضة بحق العراق العربي وسائر دول الخليج العربي، التي تعدى عليها بشتى الأشكال تحت شعار خبيث هو «تصدير الثورة»، وكانت من أسوأ تبعيات هذه الدوافع الخمينية دخوله في حرب مدمرة مع عراق صدام حسين، استمرت لفترة تجاوزت الثماني سنوات، وعندما عرض على الخميني مشروع وقف إطلاق النار بين البلدين وإعلان السلام، علق قائلاً «إنه يتجرع ذلك الأمر مثل تجرعه لكأس السم».
قبل نيلسون مانديلا كان المهاتما غاندي يقاوم وبسلمية آسرة آفة الاستعمار البريطاني من جهة، وآفة الطبقية المقننة باسم الدين الهندوسي في المجتمع الهندي، وهي معركة ملتهبة على جبهتين في آن واحد، ولكنه تمكن من تأسيس دستور مدني يساوي بين الجميع أقره تلميذه رئيس الوزراء الأول للهند بعد الاستقلال جواهر لال نهرو. يعتبر علماء السياسة كتاب «الأوراق الفيدرالية» هو المرجعية الأساسية لفهم مقاصد الآباء المؤسسين للجمهورية في أميركا، والتي أدت الحوارات بينهم بعد ذلك إلى كتابة الدستور الأميركي الباهر والمميز. ويبرز في هذا الكتاب رأي أليكساندر هاميلتون المثير للجدل والذي يقول فيه: «إن الغاية الأساسية للدستور يجب أن تكون حماية البلاد ليس من طغيان الحاكم فحسب، ولكن الأهم حماية البلاد من طغيان الأغلبية»، فالأغلبية ممكن أن «تخطئ» باختيارها، وعليه فمن الضروري أن يكون الدستور والنظام النابع منه قادرين على إصلاح هذا الخطأ المقصود بالقانون.
إيزابيل ويلكيرسون تمكنت في كتابها الأخير من ربط نظام الطبقية الموجود في أميركا بألمانيا النازية والهند (أصل العرق الآري) لتثبت أن العنصرية أساس الكراهية، وأنها أشبه بالفيروس العابر للقارات والثقافات والحدود والأديان، وهي أصل الشر ومع الإنسان منذ بداية التاريخ. هناك من ينكر وجود العنصرية أو على أقل تقدير يتعامل معها بقفازات من حرير وريش نعام، وهناك من يعترف بالمشكلة ويواجهها. وما يحدث في أميركا هذه الأيام مثير للاهتمام، لأن التاريخ أكد لنا أن ما يحدث فيها عادة لا يبقى داخل حدودها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبقية طبقية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon