توقيت القاهرة المحلي 18:37:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تسرب الأحبة

  مصر اليوم -

تسرب الأحبة

بقلم : خديجة حمودة

هو فعل من أربعة حروف فقط إلا أنه يحمل الكثير عندما تجتمع تلك الحروف وتتشابك وتتشكل وتحصل على زمنها سواء كان حاضراً أو ماضياً أو مستقبلاً، فقد يزيد حرفاً أو يفقد آخر أو يغير تشكيله فيتحرك للأعلى أو الأسفل. وهو فى النهاية يتآمر علينا ويصر على فعل ما يريد ويعنى ويضم ويحتوى ويرغب لنتألم ونبحث عن المخرج لمنعه إن كان لدينا القدرة على مداواة الجراح التى يصيبنا بها.

وقبل أن أحدثكم عن معانيه المختلفة وتلك الأزمات التى يتسبب فيها أقول وأؤكد أن أقساها وأعنفها هى تلك التى تمس أحبتنا وقلوبنا عندما نبحث عنهم فنجدهم وقد تسربوا من بين أيدينا. وفى قاموس المعانى يقولون إنه فعل (تسرب إلى) أو (تسرب فى) ويتسرب تسرباً فهو متسرب والمفعول به متسرب إليه. فإذا تسرب الماء إلى البيت وسال وانساب فسيضيع الأمان والراحة وقد ينهار ونفقده إلى الأبد. وإذا تسربت الأخبار وانتشرت وشاعت رغماً عنا فقد نصبح حديث الناس ويقومون بالهمز واللمز وتحكى العجائز قصص حياتنا لتدور من مجلس لآخر ومن بيت للثانى ومن مدينة للقرية دون توقف. وإذا تسرب الحزن إلى نفس فقد نفذ إليها وكسرها وآذاها وآلمَها. وإذا تسربت العين فقد بكت وسالت دموعها دون توقف لأى سبب كان كفرحة كبيرة انتظرناها كثيراً أو قصة حزينة هاجمتنا. أما إذا سرب شخص ما فى الأرض فقد هام على وجهه فيها ومضى وفقد أهله وأصدقاؤه الطريق إليه.

ويقال على الاسم منه (السرب) وهو فريق فهناك سرب من الطائرات الحربية وآخر من الطيور المهاجرة التى تتآلف وتتجمع وتتشابك نفسياً فى مشهد فنى رائع يجوب السماء بحثاً عن الدفء ليتشاركوا جميعاً فى رحلة واحدة. أو الحيوانات وإذا كان أحدهم فى غير سربه فالمعنى الوحيد لذلك أنه أصبح غريباً فى جماعة لا ينتمى لها ويكون الجمع منه (أسراب).

وفى القرآن الكريم فى سورة الكهف الآية ٦١ (فاتخذ سبيله فى البحر سرباً) أى مسلكاً خفياً. وإجمالاً يمكن القول إن جميع ما ينسب إليه أو أغلبه مؤلم فى حياتنا ومشاعرنا ومدننا وأوطاننا بكل ما تحتوى وتعنى وتضم وتشمل، ومنازلنا وحجراتها وأماكن عملنا بل حتى الطرقات التى ندب فوقها بأقدامنا.

ولأننا ندرك خطورته جيداً فإننا نقاوم بشدة اقترابه منا فنغلق أبوابنا ونوافذنا وقلوبنا وخزائننا ونخفى أسرارنا بعيداً عن العيون ونتشبث بشدة بأحبتنا ونشد أصابعنا على كف الصغار ونضمهم لصدورنا كما لو كنا نحاول إعادتهم لأول مكان وُجدوا به ونضغط على قلوبنا حتى لا تحكى ما بها ونتحمل آلام المرض لتخفيه عن الآخرين ولا تتسرب حكايته وتنتشر ونسعى للحصول على براءة اختراع ما لنثبت ملكيته ولا يتسرب نجاحنا للغير ونسجل اسم البرنامج الخاص لنتمسك بالحق فى النجاح والحصول على لقب (المبدع) دون تسرب للفكرة ونضع الذكريات فى أبعد مكان عن العيون ونحاول أن نخفى الابتسامة الصادقة التى ترتسم على وجوهنا عند رؤية الأحبة ونفتعل كلمات لنخفى صوت دقات القلب وانفعالاته وتلك الضوضاء الصاخبة التى تصدح عندما تلتقى بالعزيز فجأة ودون ميعاد وكأنها ترحب وتهلل له. ومن قسوة هذا الفعل وخوفاً منه ومن آثاره فقد حاولت كثيراً ألا يتسلل أو يتسرب أى من أحبتى إلا أن الأقدار والأعمار والقسمة والنصيب كثيراً ما تتغلب علينا فنبحث عن ساكنى القلب فندرك أنهم تسربوا كما قال نزار قبانى عن حبيبته أنها تتسرب مثل قطرة الندى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسرب الأحبة تسرب الأحبة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:14 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره
  مصر اليوم - النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 18:07 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"لامبورغيني" تفتتح صالة مؤقّتة في الدوحة حتى منتصف ديسمبر

GMT 11:02 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

دور الاستثمار العقاري الخارجي في التنمية الاقتصادية

GMT 11:19 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

دار "اسكادا" تعلن عن عطرها الجديد "سيلبريت ناو"

GMT 23:36 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

هدى حسين تسعى للخروج عن الموضوعات المكرّرة

GMT 18:23 2022 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ممارسة الرياضة صباحًا هي الأفضل لصحة القلب والأوعية الدموية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon