توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا وفوبيا الأحزاب

  مصر اليوم -

ليبيا وفوبيا الأحزاب

بقلم - د. جبريل العبيدي

منذ أن تمت شيطنة الأحزاب السياسية في ليبيا عبر أزمنة وأنظمة مختلفة، لم تشهد ليبيا أي نضوج للممارسة الحزبية، على الرغم من قِدم التجربة الأولى لظهور الأحزاب وتكوينها في ليبيا منذ عهد الاستعمار الإيطالي، إذ شهدت البلاد بداية نشوئها، إلا أن المواطن قاطعها لكونها كانت تحت راية المستعمر الاستيطاني، مثل الحزب الفاشي الجمهوري، الذي حاول جعل ليبيا شاطئاً رابعاً لروما، ومن الليبيين رعايا طليان من الدرجة الثانية.

الأحزاب السياسية التي ليس لها تاريخ ممارسة طويل في ليبيا، على الرغم من أن بعضها له تاريخ نشأة طويل تسبق تلك التي في بعض بلدان الجوار الليبي، والسبب قد يعود لانقطاع التجربة الحزبية الليبية لفترات طويلة في أزمنة مختلفة، فبعد قطيعة 42 عاماً زمن القذافي، حيث تم تخوين وتجريم الأحزاب وفقاً لشعار القذافي «من تحزب خان»، إذ سيطرت آيديولوجية الكتاب الأخضر في النظام «الجماهيري» الذي كان يتبنى نظام المؤتمرات الشعبية الموزعة على المدن والقرى سيطرة مطلقة طيلة تلك الفترة التي شهدت منعاً، بل وتجريم الأحزاب بشتى أنواعها، وإن كانت حركة اللجان «الثورية» زمن القذافي بمثابة حزب حاكم وحيد مارست السلطة والقمع أحياناً، تحت شعار «الشرعية الثورية»، وتصادمت حتى مع أنصار الفترة الإصلاحية التي قادها القذافي الابن سيف في الألفية الثانية، عندما رفع شعار ليبيا الغد، والذي سرعان ما أفسدته جماعات الإسلام السياسي، بعد تسللها إليه وتبنيها المشروع وتقديمها المراجعات الفكرية بعد أن أخرجوا من السجون، التي سرعان ما اتضح أنه سراب وتقية مارستها لخروج أعضائها من السجون، ليقبع سيف الإسلام القذافي مكانها في سجونها حيناً من الدهر، قبل أن يخرج ضمن العفو العام.

الأحزاب السياسية كثيراً ما تعتريها شبهة توريد مشروع خارجي معادٍ للدولة والحاكم طبعاً، خصوصاً إذا أخفت مصادر تمويلها أو ارتبطت بمشروع خارجي قبل الوطن، ولهذا لم تكن سلطات ولا أفكار القذافي فقط من منعت الأحزاب، بل حتى الملك الراحل إدريس السنوسي فعل ذلك، وتم حل ما تشكل منها مثل جمعية عمر المختار، رغم دورها النضالي البارز، ففي ليبيا تربى المواطن العادي والبسيط على الخشية من الأحزاب، والسلطة الحاكمة نفسها كانت تخشى منها، لأن الجميع اتفق على أن الأحزاب خطر يهدد الدولة سواء الملكية والقصر والعرش وحتى الجماهيرية والزعيم والخيمة، فتمت شيطنة الأحزاب على فترات طويلة من التاريخ الليبي، خشية المد القومي أو العقدي، ولعل سوء التجربة وفشل جل الأحزاب الناشئة في تقديم أو طرح مشروع نهضوي يمكن أن يؤسس لممارسة ديمقراطية صحيحة لا تتلون بآيديولوجيات عابرة للحدود، كتلك التي مارسها تنظيم جماعة الطاعة للمرشد، ما أسهم بشكل فاعل في شيطنة الأحزاب جميعها دون استثناء، حتى بعض تلك التي أظهرت شعارات مدنية لم تكن في ممارستها قادرة على إقناع الناخب بمشروعها البديل عن دولة المرشد، أو دولة «الخلافة»، الذي كانت تقدمه أدبيات وممارسات أحزاب الإسلام السياسي قديماً وحديثاً، وإن لبست جلابيب مختلفة الألوان، ولكنها حيكت من القماش نفسه.

رغم أن أعرق الديمقراطيات في العالم أثبتت الأحزاب فيها أن الممارسة الآمنة للديمقراطية كانت عبر المنافسة الحزبية في تقديم خدمة أفضل، ومشروع سياسي يمكن التعويل عليه، ليس لنقاوتها من أرباب المال الفاسد، ولكن لقوة القانون والنظام الرقابي في تلك البلدان لتتبع تمويل تلك الأحزاب وعلاقتها بالخارج، ولكن الأمر في بلدان الشرق الأوسط وليبيا ليست استثناء، فكانت على العكس تماماً، لدرجة مجاهرة البعض بأسماء الداعمين والمتغولين والنافذين فيها من خارج حدود الوطن، ولكون تلك الأحزاب في أغلبها كانت لا تحمل جدية في تعاطي العمل السياسي، بقدر ما هي تجمع لبعض أصحاب المال السياسي، وواجهة سياسية لأصحاب المشاريع الاقتصادية والمتحكمين في بورصة المال.
المواطن الليبي اليوم يلتمس طريقه المفخخة بالألغام والاغتيالات والإرهاب والتناطح الحزبي نحو وطن وبناء دولة الجميع، يكون المرء فيها مواطناً حراً له كامل حقوق المواطنة، دون الحاجة إلى ملء استمارة انتماء حزبي لينال حقوقه، ولهذا لا نلقي باللوم على المواطن العادي لإصابته بفوبيا الأحزاب، لأننا نخشى أن ممارسة ديمقراطية حقيقية وآمنة لن تتحقق، عندئذ لا يستطيع أحد أن يقنع هذا المواطن بجدوى هذه الأحزاب.


نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وفوبيا الأحزاب ليبيا وفوبيا الأحزاب



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt