توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل انهارت أسعار النفط؟

  مصر اليوم -

هل انهارت أسعار النفط

بقلم: سلمان الدوسري

كُتب على جيلنا أن يشهد أحداثاً تاريخية لم يتوقعها بشر، فلم يفق العالم بعد من أزمة «كورونا» في انتشارها وآثارها وسلوكيات الناس التي تغيرت بالكامل بسببها، حتى عاجلهم النفط بأسعار تاريخية، فات الأجيال الماضية حضور إثارتها، بعد أن هوت الأسعار لتهبط دون حاجز الصفر، فلأول مرة في التاريخ يشهد النفط حلقة ما يسمى بالأسعار السلبية، إثر تسجيل سعر بعض العقود 37- دولاراً، حتى أصبحت السفن البحرية تجوب المحيطات ملأى ببراميل النفط ولم تتحرك منذ أيام.
اليوم فقط تذكَّر العالم أن الفوضى التي تعصف بأسواق النفط العالمية، سببها - أولاً وقبل كل شيء - تراجع الطلب على النفط الخام عالمياً، بعد أن شُلَّت حركة إنتاج السلع والخدمات والصناعات في جميع أنحاء العالم، وكذلك تدابير العزل، كل هذا أدى لانخفاض الطلب بنسبة 30 في المائة في غضون أسابيع قليلة، فمئات الملايين من البشر لا يذهبون لأعمالهم، وعشرات الآلاف من المصانع توقفت عن الإنتاج، والناس أصبحت لا تنتقل بالسيارات إلا نادراً، والسفر بالطائرة في حده الأدنى، والقطارات شبه متوقفة، فهل بعد هذا كله فعلاً انهارت أسعار النفط، وأصبح الذهب الأسود شيئاً من الماضي؟!
لا يحتاج المراقب لعصا سحرية لكي يعرِّف ما يحدث في أسواق النفط العالمية بالفوضى النابعة من أزمة «كورونا»، لا انهياراً لأسعار سلعة لا يمكن للعالم أن يحيا من دونها. وليس من التنجيم القول إن انخفاض أسعار النفط سيكون لفترة قصيرة، مرتبطة بالسيطرة على فيروس «كورونا». صحيح أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بموعد السيطرة المنتظر، وصحيح أيضاً أن التشغيل التدريجي للاقتصاد العالمي سيساهم في استمرار وفرة المعروض وتراجع الطلب، إلا أن كل ذلك مسألة وقت وإنْ طال الزمان.
في تقديري، هناك أربعة أسباب رئيسية تجعل النفط يواصل مكانته كذهب أسود، ولا يتحول إلى فضة أو صفيح كما يتوقع البعض، ويتمنى البعض الآخر: أول هذه الأسباب أن الأسعار المنخفضة ستشجع الاستهلاك الكبير، وترفع الطلب بشكل قوي، وهي معادلة تدرَّس في مبادئ الاقتصاد، ولا تحتاج معجزة لحصولها. السبب الثاني أن أي حقل نفط في العالم له احتياطيات مقدرة، وينخفض إنتاجه تدريجياً، وهو ما يجعل البترول في دائرة السلع الناضبة مع مرور الوقت. أما ثالث الأسباب: فلأول مرة منذ 30 عاماً يقوم رئيس أميركي بدعم ارتفاع أسعار النفط، والهدف هو تغير وضع أميركا من مستهلك يدفع بأسعار نفط منخفضة إلى منتج أدت به هذه الصناعة لخلق فرص عمل بالملايين، وبالتأكيد لن يكون من السهل تعويضها، في حين أن رابع الأسباب يشير إلى أنه في ظل انخفاض الأسعار فإن الحكومات والشركات النفطية ستحجم عن الاستثمار في الحقول الجديدة، وأيضاً في توسعة - وربما حتى في صيانة - مشروعاتها الحالية، فمَن ذلك الذي سيستثمر في قطاعٍ أسعاره لا تحقق الأرباح المرجوة؟ وهو ما سيؤدي لخروج منتجين كثر من المصدِّرين الحاليين الذين يساهمون مع الآخرين في تحقيق توازن السوق النفطية.
بقي أن نشير إلى أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم: هل ستتضرر بشدة كما يقال وأسعار البترول تتدحرج بهذه الطريقة؟ الحقيقة أن السعودية ستعاني بالطبع كما تعاني بقية الدول المصدرة؛ لكن علينا عدم إغفال الاحتياطيات الكبيرة للعملة الأجنبية التي تملكها المملكة، إضافة إلى النسبة المنخفضة للدَّيْن العام إلى الناتج الإجمالي (25 في المائة)، كما أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يستغل الأزمة الحالية أفضل استغلال، مع اقتناص الصندوق لفرص استثمارية بأسعار زهيدة، في خضم موجة من تراجع أسعار الأصول حول العالم. كل هذا يجعل السعودية تقف على أرضٍ صلبة في صمودها أمام تدهور الأسعار وتراجعها إلى مستويات قياسية، وهي وإن كانت تتحمل أسعار نفط حتى وإن راوحت العشرين دولاراً لسنوات؛ فلنتذكر أن مع هذا السعر لن يكون هناك أدنى أمل في تلبية الطلب العالمي للنفط في المستقبل القريب.
هناك حقائق ثابتة لا يمكن أن تلغيها فجأة توترات تعصف بالاقتصاد العالمي، وليس فقط بالسوق النفطية.
في النهاية: من يتوقع استمرار صدمة انهيار الأسعار إلى ما لا نهاية، يتغافل أنه متى ما طال الوضع الحالي فسيواجه العالم صدمة نفطية أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس تماماً، عندما ترتفع الأسعار إلى حدود غير متوقعة خلال سنوات قليلة، وهو أمر لا يتحمله العالم، كما لا يتحمل أن تبقى الأسعار في وضعها الحالي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل انهارت أسعار النفط هل انهارت أسعار النفط



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt