توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

  مصر اليوم -

انتقد ترمب ثم سر على خطاه

بقلم: أمير طاهري

ما من شك في أن دونالد ترمب شخصية غير نمطية، مقارنة بباقي الرؤساء الخمسة والأربعين الذين حكموا الولايات المتحدة حتى الآن، وربما كان هذا هو سبب مشاعر الخصومة غير العادية والعنيفة في أغلب الأحيان التي يثيرها بين خصومه السياسيين.
ففي دوائر النخبة، لا سيما في أوروبا، يُنظر إلى تقريع ترمب على أنه دليل على الذكاء، وإلى الإساءة إليه على أنها واجب على كل تقدمي.
ففي لقاء حديث في تلفزيون «بي بي سي»، وجدت نفسي منبوذاً وسط ثلاثة من الزملاء الأميركيين والأوروبيين، بالإضافة إلى مقدم البرنامج، لمجرد أنني قلت إن ترمب قد لا يكون مسؤولاً عن كل ما يحدث في العالم من أخطاء. لكن الواقع يقول إنه لا يكاد يمر يوم من دون أن تصاب وسائل الإعلام الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة بنوبات جنون نتيجة لأفعال ترمب.
داخل الولايات المتحدة نفسها، تحول تقريع ترمب إلى طقوس للمرور بين النخب التي دأبت على تقريعه بوصفه رمزاً لغير المتعلمين من العامة.
فبعض الغاضبين من ترمب فقدوا أي إحساس بالانتساب أو الانتماء إليه، وقد وصف اللغوي المتقاعد والمناهض لـ«الأمركة» نعوم تشومسكي، ترمب بأنه «أسوأ مجرم في التاريخ» ونسي على ما يبدو أسماء مثل جنكيز خان، ناهيك عن أدولف هتلر وجوزيف ستالين. كما يرى ماكس بوتس أن ترمب «أسوأ رئيس أميركي على الإطلاق»، متناسياً جيمس بوكانان، ناهيك عن باراك أوباما الذي اعتبره بوتس فاشلاً طيلة ثماني سنوات.
من المؤكد أن ترمب شخصية غير اعتيادية، فمن بين الرؤساء الأميركيين الـ45، كان لدى 33 منهم خلفية عسكرية، من بينهم ما لا يقل عن 12 جنرالاً، في حين لم يرتدِ ترمب الزي العسكري مطلقاً. ومن بين الرؤساء، كان 24 منهم محامين، فيما لم تتعدَ علاقة ترمب بالقانون نطاق الدعاوى التي كانت تقام ضده.
تفرد ترمب وحده بصفة رجل الأعمال في مسعاه للفوز بالرئاسة. صحيح أن أربعة رؤساء آخرين كانت لديهم خلفية تجارية في مجال الأعمال، لكنهم وصلوا إلى البيت الأبيض بعد فترات طويلة من العمل في السياسة. ولذلك فإن ترمب يعد الرئيس الوحيد الذي لا يمتلك خبرة العمل في أي قطاع من قطاعات الحكومة. وحتى أوباما قضى عامين في منصب سيناتور رغم صغر سنه وقتها.
وبفضل برنامج تلفزيوني قام فيه ترمب بدور المقدم كعمل جانبي، يعد ترمب أيضاً أول رئيس أميركي ذي خلفية إعلامية. كان رونالد ريغان نجماً سينمائياً لكنه عمل بالسياسة وكحاكم ولاية قبل الترشح للرئاسة، كذلك عمل ووارن هاردينغ بالصحافة قبل أن تطأ قدماه عتبة السياسة الأميركية.
قد يكون ترمب أيضاً الوحيد الذي كسر قالب الحزبين السياسي من دون تأسيس حزب خاص به. فتاريخ الولايات المتحدة مليء بانقسامات الحزب والانتكاسات الناجمة عن الولاءات الحزبية. وقد يتبادر إلى الذهن أحزاب مثل «وايس»، أو الأحرار، وحزب «نو ناثنغ بارتي»، وتعني: (حزب لا أعرف شيئاً)، و«فري سُويْل ديمكراتس»، وتعني: (ديمقراطيو الأرض الحرة)، والحزب الأميركي، وحزب اليقظة الجمهوري. لكن ترمب حتى في عامه الرابع كرئيس لا يزال متمسكاً باستعراضه الفردي رغم أنه يحمل شعار الحزب الجمهوري.
ورغم أن ترمب ربما يبالغ في مقدار ثروته، فقد يكون أيضاً أغنى رجل يفوز بالبيت الأبيض، وهو أيضاً الأكبر سناً كرئيس في تاريخ البلاد حتى الآن.
قد يكون ترمب أول رئيس أميركي يثير كل هذا الكم من الإثارة، ناهيك عن عدم الود بين النخب الأوروبية التي كانت تبجل كيندي، وعاملت أوباما كنجم روك حتى قبل فوزه بالرئاسة. ولو أننا تحدثنا بشكل غير رسمي، يمكن القول إن البيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي يتحدثون عن جبهة لـ«مقاومة ترمب». ففي أوروبا اليوم لن ينظر إليك الناس باعتبارك ذكياً ما لم تسئ لترمب، إذ يرى جون بيركو، رئيس مجلس النواب البريطاني السابق، رفضه لدعوة ترمب إلقاء كلمة أمام المجلس باعتباره ذروة مجده البرلماني. وصادق خان، عمدة لندن، جعل رفضه الترحيب بترمب موضوعاً لحملة إعادة انتخابه. وكذلك استخدم اليسار الفرنسي موضوعات مناهضة لترمب في مساعيه الأخيرة وغير الناجحة لإحداث ضجة في الانتخابات المحلية.
في ألمانيا، يبغض الناس شعار «أميركا أولاً» لا لشيء سوى أنه صدى لنشيد ألماني قديم دفن كسرٍّ عائلي. ومع ذلك، فإن مواضيع ترمب تتسلل إلى كواليس السياسة العالمية.
غالباً ما يربط فلاديمير بوتين وشي جينبينغ خطابهما بمواضيع وطنية، وليس بأفكار آيديولوجية يسارية عتيقة. وفي الهند، يصفه معجبو ناريندرا مودي بـ«ترمب الهندي»، بينما في البرازيل يلعب جايرو بولسونارو دور ترمب في أميركا الجنوبية. وفي دول أوروبا الوسطى والشرقية، فإن أنصار ترمب المحليين يبدون في صعود. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد الماضي وصفه خصوم أندريه دودا بـ«ترمب البولندي»، والمفاجأة أنه فاز.
في بريطانيا، شن رئيس الوزراء بوريس جونسون حملة وفاز من فوق منصة ترمبية هدفها الهوية الوطنية والإنعاش الصناعي. حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، المنتقدة الدائمة لترمب، تتحدث الآن عن الحاجة إلى ميزانية دفاع أكبر وعن تقييد العولمة وعن روسيا كتهديد.
ربما يتمثل أفضل تحول إلى النهج الترمبي في الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لأنه أول زعيم أجنبي يخطب أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي كضيف على ترمب. فقد استغل الفرصة لإلقاء محاضرة أمام ترمب حول التعددية والتعددية الثقافية والعولمة.
ومع ذلك، فقد تبنى ماكرون الشهر الماضي موقفاً ترمبياً ضد حملة «بلاك لايفز ماتر»، أو (حياة السود تهمنا)، التي وصلت إلى فرنسا. وقال إنه لن يسمح بإعادة كتابة التاريخ الفرنسي وإهانة الشرطة، وإنه لن يدع أي شخص يُسقط التماثيل أو يغير أسماء الشوارع، ورفض ما سماه «الانفصالية» ومحاولات استحضار هويات مزدوجة مثل «أفريقي - فرنسي».
في مقابلته التلفزيونية التقليدية في 14 يوليو (تموز)، تحدث ماكرون عن «روح الصناعة الوطنية»، وهو موضوع ترمب المفضل لإنهاء تصدير الوظائف إلى اقتصاديات الأجور الأقل، وأشار إلى أن «العودة الاقتصادية القوية» في الولايات المتحدة جاءت كبارقة أمل للاقتصاد الأوروبي في مرحلة ما بعد وباء «كورونا».
بأسلوبه الفريد وغير الاعتيادي، بصرف النظر عما يشوبه من عيوب، هاجم ترمب السياسات المحلية والخارجية التي لم تعد تجدي نفعاً. كما حاول إعادة موازنة العولمة لوضع حد لتوقف التصنيع في الولايات المتحدة على المدى الطويل. قبل أزمة «كورونا»، كانت إدارته تعد من أفضل الإدارات الأميركية في خلق فرص العمل والحد من الفقر بين الأميركيين السود. ويعتبر ترمب حتى الآن أول رئيس أميركي خلال المائة عام الماضية لم يقحم بلاده في حرب جديدة. (حتى أوباما الحائز جائزة نوبل ساعد في تورط الولايات المتحدة في ليبيا).
الكراهية الشخصية لترمب، بما في ذلك أسلوب إدارته ونبذه للآخرين ساهمت في زيادة عدد أعدائه حتى بين الجمهوريين. لكن أعضاء الحزب الديمقراطي لن يتمكنوا من إلحاق الهزيمة به من دون نقد رصين لسياساته، وليس لشخصه، وتقديم بدائل ذات مصداقية.
قام الديمقراطيون بتقليد تعليقات ترمب التي دأب على نشرها عبر منصة «تويتر» وربما يحتاجون إلى محاكاة بعض سياساته أيضاً. إن إزاحة ترمب أمر سهل لكنه محفوف بالمخاطر. فحتى إذا هزم في نوفمبر (تشرين الثاني)، فمن غير المحتمل أن يتقاعد ليبقى في ملعب الغولف. فقد يترشح مرة أخرى عام 2024 عندما يكون أكبر من جو بايدن بسنة واحدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتقد ترمب ثم سر على خطاه انتقد ترمب ثم سر على خطاه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:36 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله
  مصر اليوم - ميسي يتحدث عن العامل الحاسم في اعتزاله

GMT 02:02 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الملكي يتقدم 1-0 قبل نهاية الشوط الأول ضد ألكويانو

GMT 10:15 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

للمرة الثانية أسبوع الموضة في لندن على الإنترنت كلياً

GMT 14:16 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الحكم في طعن مرتضى منصور على حل مجلس الزمالك

GMT 09:20 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

طريقة لتبييض الأسنان ولإزالة الجير دون الذهاب للطبيب

GMT 08:52 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري اليوم السبت

GMT 02:02 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا

GMT 09:09 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسني يؤكد لو تم علاج ترامب في مصر لكان شفائه أسرع

GMT 14:47 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا يعلن عن تعاقده مع أغلى صفقة في تاريخه

GMT 04:36 2020 الخميس ,20 شباط / فبراير

ابن الفنان عمرو سعد يكشف حقيقة انفصال والديه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon