توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

  مصر اليوم -

2024 البندول يتأرجح باتجاه جديد

بقلم : أمير طاهري

مع اقتراب غروب شمس عام 2024، يبدو أمر واحد مؤكداً بمختلف أرجاء العالم؛ أن بندول التاريخ يتأرجح بعيداً عن الاتجاه الذي سلكه منذ تسعينات القرن الماضي. على امتداد نحو 3 عقود، تأرجح البندول باتجاه ما قد نطلق عليه اليسار الناعم، في أحدث تجلياته؛ في العولمة، والصوابية السياسية، والتعددية الثقافية، وكلها أشكال من الجماعية.

والمقصود بالجماعية الآيديولوجيات التي تنظر إلى البشرية من منظور الجماعات أو المجموعات، وليس الأفراد. وتنظر كذلك إلى الدول القومية، باعتبارها بيادق بأيدي النخب العالمية، التي تعمل على إطالة أمد وجودها، عبر التحرُّك على رقعة الشطرنج الخيالية الخاصة بها.

وجاءت الضربة الأولى من نصيب منظمة الأمم المتحدة، التي كان من المفترَض، حسبما يوحي اسمها، بأن تكون تجمُّعاً غير حزبي للدول القومية ذات السيادة، بحيث تعمل معاً في إطار مقبول من القواعد والتقاليد، في خدمة السلام والتعاون الدوليين. ومع ذلك، تحولت الأمم المتحدة، عبر السنوات القليلة الماضية، إلى ما يشبه نادياً حزبياً لآيديولوجيي اليسار الناعم.

وفي تلك السنوات، غزا أحد أعضائها، روسيا، بلدين بينما حاولت دولة عضو أخرى، الولايات المتحدة، دعم نظام إسلامي محتضر، على أمل إعادته للحياة، لكن من دون جدوى. في الوقت ذاته، تصرفت دولة عضو ثالثة تملك حق النقض (الفيتو)، الصين، على نحو جعلها أشبه ببلطجي، يلوِّح بسكين ويهدد الجميع من مضيق ملقا إلى بحر الصين الجنوبي. وهوت الأمور إلى الحضيض، عندما قدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، نفسه كمدافع عن جماعة «حماس»، باسم «حقوق الفلسطينيين».

وتعرضت مؤسسة رئيسة أخرى من مؤسسات العولمة، الاتحاد الأوروبي، لفضائح الفساد والخداع السياسي والبيروقراطية، بينما يتحرك أعضاؤها في اتجاهات متعاكسة، حتى فيما يتعلق بقضايا رئيسية، مثل دعم أوكرانيا.

وفي أماكن أخرى، توقفت منظمة الدول الأميركية عن الوجود، على نحو ذي معنى، في الوقت الذي أصاب الشلل نسختها الأفريقية، الاتحاد الأفريقي، ولم تعد قادرة حتى على التوسُّط بين أعضائها. وعلى نطاق أصغر، انقسمت منظمة التعاون من أجل التنمية في غرب أفريقيا، عندما غادرها 3 أعضاء بعد انقلابات عسكرية.

في الوقت ذاته، استمرت العديد من المنظمات شبه الجماعية الأخرى، التي لم تكن يوماً سوى أشباح مكلّفة، في التلاشي، ومن بينها الحلف الاقتصادي لجنوب شرقي آسيا، ومجموعة شنغهاي، و«بريكس بلس»، ومجموعة أوراسيا بقيادة روسيا، والعديد من المنظمات الإسلامية التي تنفق الأموال وتهدر الوقت، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وجامعة الدول العربية.

كل هذا ناهيك مما يُسمى «محور المقاومة»، الذي أنشأته إيران بتكلفة باهظة، بهدف «تصدير الثورة» إلى شتى جَنَبات العالم.

اليوم، يتأرجح البندول نحو النموذج القديم للدولة القومية، الذي ظهر للوجود للمرة الأولى في القرن الـ17، ثم تطور ليصبح المفهوم القياسي لتنظيم المجتمعات البشرية داخل حدود جيوسياسية، فرضتها العمليات التاريخية.

المثير أنه قبل بضع سنوات قليلة فقط، كان ذكر كلمة «حدود» بمثابة تدنيس للمقدسات. وكان وصف «بلا حدود» رائجاً: «أطباء بلا حدود»، و«مراسلون بلا حدود»، و«محامون بلا حدود»، بل وحتى «حرس حدود بلا حدود»، وذلك في أوروبا.

عام 2024، أعيد تثبيت العديد من الحدود التي كانت قد اختفت حتى بين الدول القومية الأوروبية.

اللافت أنه في إطار الانتخابات العامة التي أُجريت في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبولندا والنمسا، والانتخابات الرئاسية الأميركية، كانت الكلمة الرئيسة: الحدود. عام 2024، أنجزت تركيا بناء جدار بطول 320 كيلومتراً، لإغلاق حدودها مع إيران، التي كشفت بدورها عن خطة لبناء جدار بطول 925 كيلومتراً على امتداد حدودها مع باكستان.

أما مفاجأة العام الكبرى خلال ذلك العام، فكانت دونالد ترمب، الذي اقتنص، على عكس كل توقعات المشاهير العالميين، فوزاً نادراً يتيح له ليس؛ فقط العودة إلى البيت الأبيض بأغلبية الأصوات والمجمع الانتخابي، بل وكذلك السيطرة على مجلسَي الكونغرس، بالإضافة إلى إدارات أغلبية الولايات.

في المقابل، كان الخاسر الأكبر هذا العام إيران، التي استثمرت 30 عاماً في «محور المقاومة» الخيالي، ويدفن تحت الأنقاض السورية.

أما العائد إلى الحياة هذا العام، فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بدا قبل الهجوم الذي شنته «حماس»، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، في طريقه نحو غياهب النسيان. إلا أنه، في غضون بضعة أشهر فقط، اكتشف العالم نتنياهو جديداً يقدم نفسه كرجل دولة دولي. ووصل الأمر أن عقد المؤرخ أندرو روبرتس مقارنة بينه وبين السير ونستون تشرشل، الذي جرى وصمه بالفشل الذريع عام 1939، ليشيد به الجميع باعتباره بطلاً، بعد عام واحد فقط.

وفيما يتعلق بلقب «مقامر العام»، فهو من نصيب رجب طيب إردوغان في تركيا، الذي ورَّط بلاده في مصير سوريا المحفوف بالمخاطر، وهي المقامرة التي قد تدر عليه مكاسب كبيرة، لكنها قد تنتهي كذلك بنفس كأس السم، التي اضطر النظام الإيراني إلى أن يتجرعها.

وفيما يخص أكثر الشخصيات جبناً خلال العام، فهو الطاغية السوري بشار الأسد، الذي أخذ عائلته وأمواله وهرب، من دون أن يخبر أفراد حاشيته، ناهيك من حلفائه الإيرانيين، حتى يتمكنوا هم كذلك من الفرار للاختباء، تاركاً إياهم عُرضة للإذلال والانتقام والقتل.

أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فظل الشخصية الرومانسية للعام، بعد أن قطع أميالاً جوية بالطيران في جميع أنحاء العالم، لطلب المساعدة من مسؤولين بيروقراطيين تقنيين يتنكرون في صورة قيادات سياسية، وانتهى الأمر إلى مجرد فرص لالتقاط صور معهم.

وربما يتقاسم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني المنتهية ولايته، أولاف شولتس، لقب «شكَّاك العام»، فقد وصل كلاهما بهذا المرض إلى مستوى جديد تماماً، عاونهما على التشبُّث بالسلطة لفترة أطول قليلاً.

وقد تتقاسم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، صاحب الأصول الإيطالية، لقب «براغماتي العام»، بفضل حرصهما على تخفيف حدة ميولهما الآيديولوجية، وممارستهما السياسة، باعتبارها فنّ الممكن.

من جهته، ربما يستحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لقب «أكثر شخصية تصعب هزيمتها لهذا العام». من ناحية، نجد أن حربه في أوكرانيا لا تسير على النحو الذي كان يأمله، ولا تزال النتيجة النهائية لتورُّطه غير المدروس في المأزق السوري يكتنفها الغموض. كما أن طلبه المساعدة من الديكتاتور الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، كان مهيناً بكل المقاييس. كما أن اعتماده المتزايد على الصين، بقيادة شي جينبينغ، يثير القلق داخل موسكو.

والآن، وصلنا إلى لقب «كوميديان العام»، الذي لا بد أن يذهب إلى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، الذي أعلن الأحكام العرفية، وأرسل الجيش لإغلاق البرلمان، لكنه سرعان ما غيَّر نبرته قائلاً: «آسف، لم أقصد ذلك».

في المجمل، يمكننا القول إنه لم يكن هذا العام سيئاً، وإذا استمر البندول في التحرك بالاتجاه الحالي، فإن الأفضل ربما في الطريق إلينا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2024 البندول يتأرجح باتجاه جديد 2024 البندول يتأرجح باتجاه جديد



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt