توقيت القاهرة المحلي 04:09:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران والعبث بآلة دعم الحياة

  مصر اليوم -

إيران والعبث بآلة دعم الحياة

بقلم : أمير طاهري

منذ بدء الحملة الترويجية المعروفة باسم «المحادثات النووية مع إيران» قبل 15 عاماً تقريباً، شهدنا حدثاً فريداً في الحوليات الدبلوماسية. وعلى سطح الأحداث، صُممت العملية بالكامل للتعامل مع شيء بسيط للغاية: ينبغي على إيران الامتثال لأحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي كانت إيران أحد مؤسسيها. وفي المقابل، يعترف «المجتمع الدولي» بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وهو الحق الممنوح بالفعل بموجب معاهدة عدم الانتشار ولا يحتاج إلى مزيد من التأييد من جانب «المجتمع الدولي».
ومع ذلك، فإن الترهات الممجوجة قد أسفرت عن إصدار 7 قرارات بالإجماع من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفرض أكثر من 1500 عقوبة على إيران.
لماذا؟
من بين الإجابات عن هذا التساؤل أن بعض العناصر في إيران وفي ما يسمى «المجتمع الدولي» لا بد أنها حريصة على استمرار غليان القِدر لأسباب آيديولوجية. ومن المنظور الغربي، تُعد إيران مثل النعجة السوداء في المنطقة.
ومن منظور الصين وروسيا فإن القضية النووية تشكّل وسيلة فعالة لمنع إيران من العودة إلى مسارها التاريخي المؤيّد للغرب. لقد ساعدت إيران المعزولة، روسيا على الاستيلاء على جزء كبير من سوق النفط الإيرانية، بينما منعتها من استغلال مواردها الهائلة من الغاز الطبيعي، الذي ربما يكون الأكبر في العالم، لمساعدة أوروبا على التخلص من اعتمادها على روسيا. من جانبها، استفادت الصين من عزلة إيران عبر السيطرة على السوق الإيرانية وتأمين إمدادات النفط بخصومات سعرية هائلة.
كانت كل من روسيا والصين حريصة على إظهار المكانة المتدنية لإيران قدر الإمكان بالمعايير الطبيعية. فقد استبعدت الصين إيران من مشروعها المهيب «حزام واحد عالم واحد»، في حين أظهرت روسيا، كما رأينا في المهانة الأخيرة التي ألحقها فلاديمير بوتين بالرئيس الإيراني آية الله الدكتور إبراهيم رئيسي في موسكو، أنها تتعامل مع النظام في طهران بوصفه تابعاً وليس شريكاً مساوياً.
وعليه، فقد كانت كل من القوى الغربية والصين وروسيا تستخدم «المحادثات النووية» كتحول عن القضايا الحقيقية التي كانت محل المواجهة بين العالم وإيران منذ بدئها قبل 43 عاماً.
غير أن كل هذا لا يعني أن الصين أو روسيا تشعران بالسعادة إزاء مساوئ نظام الملالي. ولكن كل منهما يعمل على افتراض مفاده تحرك الولايات المتحدة أو إسرائيل للتعامل مع إيران إذا ما تجاوزت حدوداً معينة.
ويبدو أن المجموعة الحالية من المحادثات التي تُعقد في فيينا، من شأنها أن تؤدي إلى حل «هش» آخر يتجنب القضايا الجوهرية مع إيران.
ويشير أحدث التسريبات والتكهنات إلى أن مجموعة دول (5+1)، التي تتظاهر بأنها تمثل «المجتمع الدولي»، تعتزم إلقاء طوق النجاة إلى الملالي الذين يوشكون على الغرق.
ويأتي ذلك في شكل إلغاء تدريجي لأصول إيران المُجمدة في الخارج. والرقم المقترح هو الإفراج عن 700 مليون دولار شهرياً لمدة عام، وهو نفس الرقم الذي تفاوضت بشأنه إدارة أوباما مع الرئيس الإيراني الأسبق حجة الإسلام الدكتور حسن روحاني، ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ألغاه. ومن شأن ذلك مساعدة الرئيس رئيسي على تغطية العجز في الميزانية للسنة الإيرانية الجديدة القادمة ابتداءً من 21 مارس (آذار) . وإذا تم تجديد الخطة لعام آخر، فقد تتمكن طهران من إنفاق جزء كبير من الأموال على شراء القاذفات المقاتلة المرغوبة للغاية من موسكو.
وكما تبدو الأمور الآن، فإنه من غير المرجح أن تجني بريطانيا وألمانيا وفرنسا أي فوائد اقتصادية مباشرة من الاتفاق. إلا أنهم قد يطلقون سراح بعض الرهائن من السجون في طهران. وهذا من شأنه منح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي يكابد الصعوبات لأسباب أخرى، بعض الراحة من اتهامات العجز والافتقار إلى الرحمة. كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يواجه إعادة الانتخاب في غضون بضعة أسابيع، سوف يستفيد من الظهور على شاشات التلفزيون وهو يعانق الرهائن الذين طالت معاناتهم وهم عائدون إلى ديارهم.
ومن المؤكد أن الرئيس جوزيف بايدن، وريث «أعظم إرث دبلوماسي» لأوباما، سوف يحصل أيضاً على شيء ما. أولاً، سوف يتراجع عمّا فعله دونالد ترمب، الشخصية غير المحبوبة تماماً لدى أنصار باراك أوباما. ثم يزعم أن شعاره «عودة الدبلوماسية» و«عودة التعددية» في محله الصحيح. والأهم من ذلك، من منظور الصورة، سوف يحصل على المزيد من الرهائن الأميركيين من إيران بأكثر مما حققه دونالد ترمب بسياسة «الضغط الأقصى»، في حين يزعم أن الأموال التي سلمها إلى الملالي لم تكن فدية بل كانت استثماراً إنسانياً.
«شوهد من قبل» مرة أخرى؟ نعم، شهدنا ذلك مرات كثيرة خلال العقود الأربعة الماضية. وقد جربها الرئيس جيمي كارتر مع اتفاق الجزائر الذي وقّعه مع الملالي. وتابع الرئيس رونالد ريغان نفس السياسة بتهريب الأسلحة إلى إيران. وعرض الرئيس جورج دبليو بوش غصن الزيتون بشعار «حسن النيات يولّد النيات الحسنة»، ورفع الكثير من العقوبات وساعد الملالي على الحياة في يوم آخر. واعتذر الرئيس بيل كلينتون للملالي عن «الخطأ الذي ارتكبته حضارتي» في حق الإسلام. ورفع الكثير من العقوبات التي فرضها أسلافه، حتى إنه زعم أنه وجد النظام السياسي الذي فرضه الملالي على إيران «أقرب إلى المواثيق الديمقراطية الأميركية».
ثم أدرج الرئيس جورج دبليو بوش الجمهورية الإيرانية بوصفها جزءاً من «محور الشر» مع العراق وكوريا الشمالية. لكنه عاد ودعاهم بعد ذلك لأن يكونوا شركاء متساوين في صياغة مستقبل أفغانستان، مما كان يعني، ضمن جملة من الأمور، قبول مطلب الملالي بعدم عودة النظام الملكي، وتصنيف النظام الأفغاني الجديد بأنه «جمهورية إسلامية». فقد تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس، عن «علاقة العمل التي تربطنا» بالجمهورية الإيرانية في إعادة تشكيل العراق «المُحرَّر»، والذي كان يعني تنصيب إبراهيم الجعفري ونوري المالكي في منصب رئيس وزراء العراق.
وذهب الرئيس أوباما أبعد من أيٍّ من أسلافه في مساعدة الملالي على العيش ليوم آخر. فقد اخترع «فتوى»، من المفترض أن تكون صادرة عن «المرشد الأعلى» علي خامنئي، يعلن فيها أن بناء واستخدام الترسانة النووية «حرام» في الشريعة الإسلامية، متناسياً أن باكستان، الجمهورية الإسلامية التي يبلغ تعداد سكانها ضِعف تعداد سكان إيران، صارت دولة مسلحة نووياً لعقود من الزمان. ومع عجزه عن تمرير مخططه عبر الكونغرس الأميركي، اخترع أوباما أيضاً خطة (5+1) التي تحافظ على القضايا ذات الصلة بإيران خارج الإطار المعتاد للقانون الدولي. ولتأكيد حرصه على مساعدة الملالي في الوقت الحرج، رتّب حتى لتهريب 1.7 مليار دولار إلى طهران نقداً عبر قبرص، وصولاً إلى أيادي فيلق القدس بـ«الحرس الثوري» تحت قيادة قاسم سليماني.
أجل، لقد كنا هناك، وشاهدنا تلك الفعالية وابتعنا هداياها التذكارية. لقد تمكنت إيران من البقاء على قيد الحياة بفضل الآلة الداعمة للحياة التي منحتها إياها القوى الكبرى لأسباب متنوعة. ولكن، حتى في ظل دعم الحياة هذا، فقد استمرت إيران في العبث وارتكاب الأخطاء التي تعدّها السبب الأساسي لوجودها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والعبث بآلة دعم الحياة إيران والعبث بآلة دعم الحياة



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 17:14 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره
  مصر اليوم - النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي

GMT 09:23 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

ضغوط متزايدة على لامبارد بعد أحدث هزيمة لتشيلسي

GMT 04:38 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

نفوق عشرات الآلاف من الدواجن قرب بلدة "سامراء" شمال بغداد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon