توقيت القاهرة المحلي 13:05:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقيتُ الموت!

  مصر اليوم -

التقيتُ الموت

بقلم: نشوى الحوفى

عرفتُه منذ أعوامى الأولى حينما فُجعت بخبر وفاة الجدة للأم، وكانت روحى الحاضنة لكل أحلامى وحياتى. قالوا لى وعمرى لم يتعدّ الخامسة: «ماتت جدتك». يومها أردت البكاء كطفلة ولكننى رأيت أمى منهارة، فكتمت الدموع لأحتضنها دون دموع.. هكذا أفضل.. هكذا ظننت.

وما هى إلا سنوات قلائل حتى وجدتنى أمامه مرة أخرى، حينما قرر اصطحاب جدى لأمى وكان صديقى وونسى وسلواى. جلطة فى المخ أفقدته التركيز والحركة، وما هى إلا أيام قضاها فى بيت خالتى ونحن جميعاً حوله، حتى كان وداعه وعمرى لم يتجاوز أحد عشر عاماً.

ظننت وقتها أن الموت لا يأتى إلا لكبار السن والأجداد، أما الأمهات والآباء فما زال الوقت مبكراً على رحيلهم. إذ عليهم أن يُنهوا رسالتهم تجاه الأبناء ويطمئنوا عليهم بزواج ورؤية أحفاد بعدها يكون الموت حسب مواعيدهم. هكذا كان فكرى فى طفولة التقت بالموت فأخذ منها الجذور. ولكن جاء الموت بعد ثمانى سنوات من وفاة الجد وفى نفس يوم وفاته وذات التوقيت، وأخذ أمى التى باتت فى الرحلة الأم والصديقة والونس والحياة. يومها تساءلت وأنا أتلقى الخبر: «كيف هذا وهى لم تكمل رسالتها ولم تكبر فى العمر ولم ترنى وأختى بعد التخرج، ولم تحضر أفراحنا ولم ترَ زيجاتنا ولم تحمل الأحفاد؟»، لتجىء الإجابة بأنه الموت الذى لا علاقة له بسن أو عمر أو مرض أو صحة.

وقتها بدأ الإدراك والنضج فى صدر الشباب بحقيقة الحياة ومعناها والغاية منها. وظننت حينها أن الموت لا يمكن أن يأخذ كل شىء، وأنه لا بد من أن يترك بعضاً من شىء. إلا أن سنوات قليلة بعد وفاة أمى وتوأم روحى مرت ليلحق بها فجأة أيضاً أبى.. يا الله.. كيف هذا ومَن سيكون لى وأختى بعدهما؟ وكيف سندير حياتنا؟ وكيف سنعيش بلا أب وأم لم يشاركانا الفرحة؟

ولكن مضت الحياة وسارت، حتى وهى ناقصة، وكبر الوعى وصادق الموت وسعى لفهمه فى كل فاجعة تصيب صديقاً أو قريباً أو زميلاً فى عمل أو جاراً. شاهدته يأتى ليأخذ زميلى فى العمل فى نهاية يوم عمل شاق يذهب ليرتاح, وأحضر فى اليوم التالى، فلا أجده ليخبرونى بأنه توفى عقب عودته لبيته فجأة. والتقيته مع الصديقة التى خانتها القدرة، فقررت إنهاء حياتها لتعدد أزمات الزواج، أهرع إليها بعد أن سعوا لإنقاذها فى المستشفى، فأراه هناك، فأدرك أنها النهاية. أسمع عنه فى أخبار الشهادة لأبناء وإخوة فى الشرطة والجيش سعوا لحماية الأرض والعرض لنا.. وهكذا اعتدت الموت وأدركت أن ما نرويه من حكايات ونتداوله عنه ما هى إلا مبررات نطمئن بها النفوس الجزعة المتفاجئة بغياب الأحبة والصحبة دون أن ندرى أنبكى مَن رحلوا، أم نبكى حالنا؟

ثم بدأ لقاء جديد بالموت حين رأيته يقبض أرواح فلذات أكباد الأصدقاء القريبين منى. لأدرك صعوبة الفقد، وأبكى معهم صدمة الفراق عن قطعة منهم. فهذا «طارق» ابن الأديبة الصديقة ريم بسيونى، الذى احتفلت معه بعيد ميلاده التاسع عشر، ثم ذهب لينام فرحل وهو نائم. وهذا «أمين» ابن الصديقة الغالية مايا مرسى، الذى اختنق ببخار الماء الساخن فى حمام منزلهم، فلم تستطع اللحاق به ليأخذه الموت وهو بعد فى الخامسة عشرة.. نعم تعددت الأسباب، والموت واحد ويأتى وفق مواعيد القضاء والقدر لينهى رحلة القطار لكل منا فى المحطة المحددة، لنهبط فيها ومعنا ما أعددناه لتلك الرحلة الأبدية من عمل. نعم، التقيت الموت منذ سنواتى الأولى، فأدركت ما يفعله بنا، ولكننى أدركت بمرور الأيام فهمنا الخطأ للدنيا التى نظنها دار بقاء، بينما هى دار لقاء مؤقت.

نحتاج فهم الموت.. لنفهم ما علينا فعله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقيتُ الموت التقيتُ الموت



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon