توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاتجار بالعقول!

  مصر اليوم -

الاتجار بالعقول

بقلم: نشوى الحوفى

هى أخطر تجارة عرفتها البشرية منذ قديم الأزل، ففى العقل يكمن الوعى والإدراك والقدرة على التفريق بين الصواب والخطأ والحق والباطل. فى العقل جاء ونزل عُشر آيات القرآن تحث على إعماله بالتدبر والتفكر والتبصر والتأمل فى حياة البشر ومسيرتهم لفهم الحياة والغرض منها، تمهيداً للوصول لعمق وجوهر الإيمان بالله. وفى العقل تكمن قوة الروح وعزة الكرامة وإصرار الفؤاد على رفض اليأس. ولذا كانت تجارة العقول منذ قديم الأزل للسيطرة على مقدَّرات البشر ومكامن قوتهم ومنبع أفعالهم.

وتجارة العقول ليست حكراً على مجال، بل تتعدد فيها المناحى ولكن الهدف واحد.. السيطرة على الإنسان ورؤيته وتقديره للأمور وفهمه لها. قد تتحقق التجارة بالدين، وهو كما قال راسبوتين -أحد أشهر رجال الكنيسة فى روسيا القيصرية قبل الثورة البلشفية 1917- أفيون الشعوب، وكما قلت فى مقال سابق لى استكمالاً لمقولة راسبوتين، أننا لو أضفنا الجهل لهذا الأفيون لأنتجنا أدمغة حشاشين قتلة محترفين ينتظرون كلمة الإشارة بالإرهاب من أمير أو عمامة منحتهم زيف الحديث لدين الله، فاحتكر الفهم والتفسير والمعانى يحركهم كما شاء. ولنا فى تاريخنا منذ معرفة الإنسان لدين الله بعقائده المختلفة عبرة. ألم يكن مقتل هيباتيا أشهر عالمات الفلك والرياضيات فى العالم على يد متطرفين مسيحيين بإشارة من أو فهم خاطئ لكلام البطريرك وأداً لفكر وفهم وإعمال العقل لسنوات طويلة لصالح الكنيسة حتى كانت الثورة على صكوك الغفران فى عصور النهضة؟ ألم يكن الحشاشون وإخوان حسن البنا والمودودى وغيرهم رمزاً لهذا التغييب باسم الدين؟ ألا يُعد تحريم الخروج عن فكر العمائم بدعوى ثوابت الدين إنكاراً لحقيقة الدين ذاته؟ وقبل الغضب فكروا فى نموذج عمر بن الخطاب الذى رفض منح المؤلفة قلوبهم حداً ذكره القرآن لا الحديث، فهل يُعد ذلك خروجاً على ثوابت الدين؟

وتدرك من التاريخ أن كل أيديولوجيا سياسية كانت تجارة بالعقول. ألم تكن الفاشية والنازية تجارة عقل لمن تبعوها فدمرت العالم بما فيه بلاد مَن صدّقوها؟ ألم تكن الشيوعية تدميراً لإرادة الفرد والسيطرة على عقله بمسميات هلامية؟ ومن قبلها الحروب الصليبية.. ألم تكن لصالح أمراء جمعهم الجوع ومواجهة الحرب الأهلية فى بلادهم فحوّلوا نظرهم لبلاد المشرق؟ ألا تُعد القاعدة وداعش وغيرهما من مسميات الإرهاب أيديولوجيات دمرت الفرد والمجتمع؟ جميعهم تطرفوا باسم الانتماء لأيديولوجيا فقتلوا ملايين البشر باسمها، وتبعتهم ملايين من عقول باعت نفسها لكل مسمى.

وفى الثقافة تجار عقول محترفون... ألم تكن فكرة العولمة تجارة ثقافية بخلفيات سياسية فى عقول البشر للسيطرة عليهم تحت مسمى «العالم قرية واحدة وملامح واحدة وفكر واحد ورؤية واحدة»؟ ألم تفرض السينما الأمريكية نموذجاً زائفاً للمواطن الأمريكى فى أفلامها، فصار هو الهدف لكل شعوب العالم؟ وهو قمة الإرهاب والتطرف لأنه يلغى خصوصية الإنسان والمجتمعات ويدمجها فى بوتقة الأقوى والأقدر على التأثير الرافض للاختلاف عنه الساعى لنشر فكره وهويته بجميع الطرق، فأصبحت المثلية والشذوذ والبغاء والفوضى حريات شخصية، وصار من يقيدها معادياً للإنسانية والديمقراطية؟!! وأصبح النموذج الغربى هو النموذج الأوحد للديمقراطيات وما عداها سيطرة؟! وأصبح المنطق العالمى إما أن تدخل فى الصف فتكون معى أو ترفض فتكون ضدى؟! وللأسف وجد هذا المنطق من يروّج له فى عالمنا ويستبيح الهوية والجذور بدعوى محاربة التخلف والرجعية!! بينما قامت نهضة الأمم بالجمع بين الحداثة والأخذ بأسباب العلم والحفاظ على الهوية بتطوير كل جميل وتنقية ما مضى من الشوائب.

وفى الإعلام أيضاً تجار عقول عاشوا فى كل العصور وارتدوا عباءات كل صاحب نفوذ وسمعوا ورددوا ما انتهكوا به فطرة الفهم ووضوح المعنى لصالح الجهل والفساد والغباء، فنشروا التغييب وطمسوا الانتماء وزيفوا المعانى وادعوا الأمانة.. بلقطات فجة النتيجة تنشر الغل وتشجع الاستكانة، وكلمات تنبذ العلم وترفض رقى وسمو المسلك ووضوح الرؤية.

ولذا فنصيحتى دوماً لمن حولى: قاوموا تجار العقل بالقراءة واسعوا للفهم ونبذ جُبن السؤال، فالخوف جهل وخضوع وتسليم لكل صوت عال بلا مضمون. ارفضوا تجارة العقول، فهى الأمانة التى ستُحاسبون عليها أمام خالقكم يوم الدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتجار بالعقول الاتجار بالعقول



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt