توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإمام الليث بن سعد

  مصر اليوم -

الإمام الليث بن سعد

بقلم : نشوى الحوفي

من قال إن الماضى كان الأجمل؟ من ظن أنه كان الأسهل؟ من رأى أنه الأفضل؟ العقلاء يعلمون أن لكل زمن مقاماً ومقالاً وفعلاً ورد فعل. المسلمون لله وجوههم وقلوبهم يدركون أن ما مضى ليس لنا فيه إلا عبرة وذكرى لفهم واقع وحماية مستقبل بدلاً من تكرار الخطأ وإعادة نفس النتائج.

من هنا سرَّنى أن أقرأ عن تخصيص المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية جائزة عالمية حملت اسم «الليث بن سعد»، أحد أهم أئمة الإسلام ومفسريه، ومنحها منذ أيام فى دورتها الأولى للدكتور أسامة الأزهرى تقديراً لفكره وعلمه. ولكننى حزنت إذ إن جائزة بهذا الاسم الملهم ما كان لها أن تُعلن هكذا فى صمت، أو أن تحمل اسم المفكر والمجدد بلا تسويق لهوية ودين حنيف. من هنا وجب التوضيح.

الإمام الليث بن سعد، الذى ولد عام 93 هجرية فى قرية قلقشندة، مركز طوخ، قليوبية، مصرى الهوى والفكر والثقافة والنشأة. ولد فى أسرة تضرب جذورها فى العمق القبطى، امتلك والده الأراضى ورُزق البنين، وشعر بعقل «الليث» ويقظة بصيرته، فكان إصراره على تكريس ابنه حياته للعلم. ولمَ لا والابن يجيد اللغات القبطية والعربية واليونانية والرومانية؟! ولمَ لا والابن قد ذهب لمدينة الفسطاط، حيث جامع عمرو بن العاص، جامعاً وجامعة، يسمع ويفكر ويحلل وينقد وهو بعد لم يتجاوز الصبا؟!

يجلس «الليث» ويستمع وينهل من كل علم دينى ودنيوى، فلا يرفض نوراً لعقل وقلب هو يعلم أنه بحاجة لهما. يرفض من يصر على اتباع السلف بلا تفكير، ويرفض من شذ برفض السلف بلا ضمير، وكأنه بيننا اليوم، فيستقل الفتى بالرأى مدركاً أن النصوص ليست مجرد كلمات، بل روح على العالِم سبر أغوارها وفهم دلالتها. فيرفض مشايخه المتشددون مذهبه فيرددها لهم: «تعلَّموا الحلم قبل العلم».

ويتبع «الليث» كل عالِم يسمع عنه داخل مصر وخارجها لا ليستمع أو ينقل فقط، بل ليناقش ويسأل سعياً لإدراك. يلتقى مالك بن أنس فى درس ربيعة بالحجاز، وقد كان فى مثل سنه، فيتصادقان وتكون بينهما خلافات فقهية راقية. منها رده لما قاله «مالك» من أن حمل المرأة قد يستمر ثلاث سنوات! فيرفض المنطق المجافى للعقل والعلم. ويرسل له «مالك» يعاتبه: «بلغنى أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق -أى الملابس الفاخرة- وتمشى فى الأسواق». فيكون رد «الليث»: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده..». فـ«الليث» لم يستنعم بنعم الله لنفسه بل كان يمنحها ويتصدق بها على عباد الله مع كثرة غناه وماله، حتى قيل إنه كان يطعم فى اليوم 300 من الفقراء، ويرسل الصدقات حتى لمن أرسل له يعاتبه. كما اختلف مع «مالك» فى التقاضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق، وقال إن الشهادة لا تتم إلا برجلين عدلين أو رجل وامرأتين. ورفض فتوى منح الزوجة لمؤخر صداقها إن طلبته وهى فى حياتها مع زوجها، وقال إن مؤخر الصداق مرهون بطلاق أو بوفاة. يعلن الخليفة العباسى المنصور بألا يقضى بأمر فى مصر من حاكم أو قاضٍ إلا بعد الرجوع لـ«الليث»، ويمنحه هارون الرشيد أراضى الجيزة لإخراجه له من يمين طلاق لزوجته زبيدة.

ولذا قال عنه «الشافعى» حينما حضر إلى مصر بعد وفاته: «ما فاتنى أحد فأسفت عليه كالليث بن سعد»، وقال عنه أيضاً: «الليث أفقه من مالك، إلا أن قومه أضاعوه، وتلاميذه لم يقوموا به».

وتلك هى المعضلة التى واجهها الإمام الليث أنه كان من الموالى لا من العرب! فرغم أننا كأسنان المشط لا فرق بين أعجمى وعربى إلا بالتقوى، إلا أن مفاهيم القبلية والتعصب رفضت فقه «الليث» وأخفته ودفنت مع جثمانه ما تركه من فكر وتفسير، وتبعهم فيما فعلوا مصريون تشددوا فى انتماء لأئمة أو حقدوا على مكانة «الليث»، ابن النيل، وربيب قراه وخضار أرضه، التى انعكست على صفاء نفسه وبراح علمه.

فما أحوجنا لدراسة الإمام الليث بن سعد، لا لفهم رؤية وفكر وحسب، ولكن لإدراك هوية فى وطن ودين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإمام الليث بن سعد الإمام الليث بن سعد



GMT 21:05 2025 الثلاثاء ,04 آذار/ مارس

ترامب وزيلنسكى.. عودة منطق القوة الغاشمة!

GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt