توقيت القاهرة المحلي 03:17:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإمام الليث بن سعد

  مصر اليوم -

الإمام الليث بن سعد

بقلم : نشوى الحوفي

من قال إن الماضى كان الأجمل؟ من ظن أنه كان الأسهل؟ من رأى أنه الأفضل؟ العقلاء يعلمون أن لكل زمن مقاماً ومقالاً وفعلاً ورد فعل. المسلمون لله وجوههم وقلوبهم يدركون أن ما مضى ليس لنا فيه إلا عبرة وذكرى لفهم واقع وحماية مستقبل بدلاً من تكرار الخطأ وإعادة نفس النتائج.

من هنا سرَّنى أن أقرأ عن تخصيص المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية جائزة عالمية حملت اسم «الليث بن سعد»، أحد أهم أئمة الإسلام ومفسريه، ومنحها منذ أيام فى دورتها الأولى للدكتور أسامة الأزهرى تقديراً لفكره وعلمه. ولكننى حزنت إذ إن جائزة بهذا الاسم الملهم ما كان لها أن تُعلن هكذا فى صمت، أو أن تحمل اسم المفكر والمجدد بلا تسويق لهوية ودين حنيف. من هنا وجب التوضيح.

الإمام الليث بن سعد، الذى ولد عام 93 هجرية فى قرية قلقشندة، مركز طوخ، قليوبية، مصرى الهوى والفكر والثقافة والنشأة. ولد فى أسرة تضرب جذورها فى العمق القبطى، امتلك والده الأراضى ورُزق البنين، وشعر بعقل «الليث» ويقظة بصيرته، فكان إصراره على تكريس ابنه حياته للعلم. ولمَ لا والابن يجيد اللغات القبطية والعربية واليونانية والرومانية؟! ولمَ لا والابن قد ذهب لمدينة الفسطاط، حيث جامع عمرو بن العاص، جامعاً وجامعة، يسمع ويفكر ويحلل وينقد وهو بعد لم يتجاوز الصبا؟!

يجلس «الليث» ويستمع وينهل من كل علم دينى ودنيوى، فلا يرفض نوراً لعقل وقلب هو يعلم أنه بحاجة لهما. يرفض من يصر على اتباع السلف بلا تفكير، ويرفض من شذ برفض السلف بلا ضمير، وكأنه بيننا اليوم، فيستقل الفتى بالرأى مدركاً أن النصوص ليست مجرد كلمات، بل روح على العالِم سبر أغوارها وفهم دلالتها. فيرفض مشايخه المتشددون مذهبه فيرددها لهم: «تعلَّموا الحلم قبل العلم».

ويتبع «الليث» كل عالِم يسمع عنه داخل مصر وخارجها لا ليستمع أو ينقل فقط، بل ليناقش ويسأل سعياً لإدراك. يلتقى مالك بن أنس فى درس ربيعة بالحجاز، وقد كان فى مثل سنه، فيتصادقان وتكون بينهما خلافات فقهية راقية. منها رده لما قاله «مالك» من أن حمل المرأة قد يستمر ثلاث سنوات! فيرفض المنطق المجافى للعقل والعلم. ويرسل له «مالك» يعاتبه: «بلغنى أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق -أى الملابس الفاخرة- وتمشى فى الأسواق». فيكون رد «الليث»: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده..». فـ«الليث» لم يستنعم بنعم الله لنفسه بل كان يمنحها ويتصدق بها على عباد الله مع كثرة غناه وماله، حتى قيل إنه كان يطعم فى اليوم 300 من الفقراء، ويرسل الصدقات حتى لمن أرسل له يعاتبه. كما اختلف مع «مالك» فى التقاضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق، وقال إن الشهادة لا تتم إلا برجلين عدلين أو رجل وامرأتين. ورفض فتوى منح الزوجة لمؤخر صداقها إن طلبته وهى فى حياتها مع زوجها، وقال إن مؤخر الصداق مرهون بطلاق أو بوفاة. يعلن الخليفة العباسى المنصور بألا يقضى بأمر فى مصر من حاكم أو قاضٍ إلا بعد الرجوع لـ«الليث»، ويمنحه هارون الرشيد أراضى الجيزة لإخراجه له من يمين طلاق لزوجته زبيدة.

ولذا قال عنه «الشافعى» حينما حضر إلى مصر بعد وفاته: «ما فاتنى أحد فأسفت عليه كالليث بن سعد»، وقال عنه أيضاً: «الليث أفقه من مالك، إلا أن قومه أضاعوه، وتلاميذه لم يقوموا به».

وتلك هى المعضلة التى واجهها الإمام الليث أنه كان من الموالى لا من العرب! فرغم أننا كأسنان المشط لا فرق بين أعجمى وعربى إلا بالتقوى، إلا أن مفاهيم القبلية والتعصب رفضت فقه «الليث» وأخفته ودفنت مع جثمانه ما تركه من فكر وتفسير، وتبعهم فيما فعلوا مصريون تشددوا فى انتماء لأئمة أو حقدوا على مكانة «الليث»، ابن النيل، وربيب قراه وخضار أرضه، التى انعكست على صفاء نفسه وبراح علمه.

فما أحوجنا لدراسة الإمام الليث بن سعد، لا لفهم رؤية وفكر وحسب، ولكن لإدراك هوية فى وطن ودين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإمام الليث بن سعد الإمام الليث بن سعد



GMT 21:28 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

قمّة المنامة!

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

عادل إمام ونصف قرن على عرش النجومية

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - ظافر العابدين يعود الى دراما رمضان بعد طول غياب

GMT 15:28 2019 الجمعة ,15 شباط / فبراير

حرس الحدود يخشى انتفاضة بتروجت على ستاد المكس

GMT 03:36 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

صيَّاد في كوبا يعثر على سلحفاة غريبة برأسين وجسمين متصلين

GMT 23:01 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الشاعِرة سندس القيسي تُصدِر كتابها الشعري الثاني

GMT 02:43 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

شريهان تخطف الأنظار في حفل زفاف شيماء سيف

GMT 01:33 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

هايدي موسى تطرح " دي حياتي" عبر "اليوتيوب"

GMT 02:28 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

مصر تشارك في مهرجان بغداد الدولي لمسرح الشارع

GMT 00:23 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

قصر ثقافة الأقصر يعرض فيلم رسوم متحركة للأطفال

GMT 20:32 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

غابرييل غيسوس يعود إلى الملاعب بعد أسبوعين

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

الخطيب يجتمع مع سيد عبد الحفيظ لمناقشة العروض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon