توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتفاضة 17 تشرين الأول

  مصر اليوم -

انتفاضة 17 تشرين الأول

بقلم: حنا صالح

أطلق على التحرك الشعبي في لبنان اسم انتفاضة، مع القناعة أن لبنان يعيش ثورة كاملة، وربما هو الحنين إلى استخدام كلمة انتفاضة بوصفها تحية لـ«انتفاضة الاستقلال 2005» المغدورة، يوم خافت تلك «القيادات» من شعبها فأهرقت أحلامه بالعدالة والشفافية والدولة المدنية، على مذبح المصالح الخاصة، وذهبت بعيداً فأحلت بدعة نظام المحاصصة الطائفي مكان الدستور وكرست الاستنسابية في تطبيق القوانين واستتبعت السلطة القضائية!
من الآخر، ندرة من اللبنانيين من لم يطرح التساؤل: لماذا الشعب اللبناني مستكين ومستسلم وتابع؟ فيما تناوب بعض «أصحاب الرأي» على دعوة الشباب إلى مواصلة الهجرة لأن الوضع ميؤوس منه. وفجأة، وبخروج عن المألوف، انفجر الغضب الحقيقي، وخرج المخزون النبيل من أعماق القلوب، وبدأ العالم يتعرف على اللبنانيين من جديد. بدأ كل ذلك في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، عندما فاضت الكأس، بالقرار الغبي المهم جدا - المتمثل بضريبة الـ6 دولارات شهرياً على اتصالات تطبيق «واتساب» المجانية - فانفجرت انتفاضة جمعت الوطن المشلّع قبضة واحدة، ليبدأ لبنان آخر مرحلته التأسيسية الجديدة.. وسيبلور الشارع تباعاً الأهداف، استناداً إلى الأبعاد العميقة لأهمية المشاركة الشبابية والشعبية يوم الـ20 من أكتوبر التي جمعت نحو 60 في المائة من اللبنانيين في الوطن وفي أكثر من 70 بلداً خلف البحار.
في أول 72 ساعة خسر التحالف السلطوي الطائفي الكثير، عندما جمع لبنانيون أجزاء وطنهم المتنافرة متجاوزين الترهيب والترغيب والتجييش الطائفي وقرروا مصالحة حقيقية، لا كرمى لعيون زعيم أو تلبية لرغبة حزب ما، فكُسرت للمرة الأولى كسر الاستقطابات الطائفية التي تكرست بعد العام 2005، وانطلق اللبنانيون لأول مرة في خطى حثيثة لطي صفحة الحرب الأهلية، وغاب عن ساحات الاعتصام وميادينه سؤال التذكي: «من أي منطقة أنت؟» بقصد معرفة هوية الآخر الطائفية! ولعله من الأهمية بمكان أن يلتقي في قلب بيروت فجر كل صباح مئات الزهرات واليافعين يرفعون النفايات ويعيدون البهاء إلى مدينتهم كي تستقبل الحشود الآتية، تأكيداً على أن التغيير طال كل فرد، وبات بالإمكان التأريخ: ما بعد 17 تشرين الأول.
إنها الثورة في أروع تجلياتها تُنجز وتُستكمل في الساحات ساعة تلو أخرى، تحققها شرائح تمثل كل اللبنانيين، وفي المقدمة منهم الفتيات والأمهات والأطفال والفتيان الذين حضنوا العلم اللبناني بقوة، العلم الذي لن تجاوره أي راية أياً كانت. إنها الثورة، لأنه بعدما دهمت مواكب الدراجات النارية، التي نقلت جلاوزة بعض القوى الطائفية للتخريب والتشويه وإحداث الرعب في صفوف الناس، جاء الرد في اليوم التالي أعداداً مضاعفة، لتوجه تلك الأعداد أبلغ الرسائل عن الانفكاك عن أَسْر السياسيين وزعماء الطوائف، الذين ليس من عادتهم الإصغاء للناس، فخابت نداءاتهم للخروج من الشارع، وقوبلت خطب التعالي والتحدي والوعيد والاحتقار بإدارة الظهر، الأمر الذي كشف عجز أصحابها عن التقاط المعنى العميق لما يجري في البلد من زخم شعبي لمواطنين جاءوا من القهر والعوز والجوع الزاحف والبطالة المريعة والأفق المسدود.
إنها الثورة، لأن الناس العاديين، الجيران الذين اكتشف بعضهم بعضاً، في أكبر تحرك شعبي تلقائي - وهذا أبرز مصادر قوته - قالوا هذا بلدنا سنستعيده وستتحمل المسؤولية الطبقة السياسية التي جوّعت وأفقرت وأوصلت البلد إلى التلاشي. وظهرت الحقيقة، طرابلس هي الفيحاء والصبر وليست قندهار، والجنوب يعشق الفرح، وبعلبك مدينة الشمس والحب وليس المخدرات، وبيروت البهية بين المدن هي البوصلة التي من غير المسموح تجاهل صوتها، فقوبل الحديث عن الأوراق الإصلاحية و«الوعد» بشطب كل الضرائب بموجات عالية من السخرية لأن السؤال الطبيعي هو: كيف هبطت هذه الأوراق، وأين كانت تلك الوصفات ومن حجزها، ولتؤكد الحالة الشعبية التي أصابت التحالف الحاكم بجروحٍ عميقة أن لا ثقة مطلقاً بتركيبة سلطوية افتقرت لإمكانية استخلاص العبر، وليتقدم المطلب السياسي، ألا وهو التغيير الشامل تتولاه حكومة أكفاء تنظم انتخابات مبكرة استناداً إلى قانون يضمن عدالة التمثيل لإعادة تكوين السلطة وتقصير الولاية.
وبعيداً عن أي فذلكة يطرح السؤال نفسه؛ أي طرح إصلاحي هو الذي تدور السلطة حوله، وكيف سينجح والمساكنة بين الدولة والدويلة أدت إلى تغول الثانية على الأولى، وأن التسوية السياسية في العام 2016 التي سلمت قرار البلد إلى «حزب الله» ومن خلفه إيران هي ما سرّع عزل البلد وحدوث الانهيار المريع، وهذا إنجاز حصري للسلطة! لذلك يتقدم المطلب السياسي بضرورة رحيل الحكومة، لأن الشارع المهدد الآن بشكلٍ خطير من طهران والضاحية وبعض الجهات، هو ممثل اللبنانيين الحقيقي، وقد استرد واقعياً الوكالة من المجلس النيابي، المنتخب وفق قانون مذهبي يناقض الدستور والطائف ويصادمهما. وبالعمق، تعرف السلطة السياسية أن بداية الخروج من الأزمة يكمن في التغيير، وهو الأمر الذي رفضه الأمين العام لـ«حزب الله» الممسك بقرار الحكومة وبكل مفاصل الدولة، إذ هدد اللبنانيين، أبناء البلد وأهله، بالاجتياح لتغيير المشهد الذي أربكه وأزعجه؛ خصوصاً أنه بعد خطبته العصماء دفاعاً عن العهد الذي صنّعه، استعاد الشارع الشعار الأثير: «كلن يعني كلن» مع إضافة حسن نصر الله واحد منن!
انطلقت مسيرة التغيير والأرجح ستكون طويلة وشاقة، لكن أياً كانت النتائج السياسية المباشرة، سيكون من الصعب تجاهل الاعتراض المدوي على استحواذ أهل السلطة على الدولة، وها هو ضغط الشارع يؤتي ثماره بتصدع التركيبة السياسية وبروز تناقضاتها وخلافاتها، وهذا أمر سيتواصل وستتتالى تداعياته. وتحت وطأة الشارع يغادر «حزب القوات» الحكومة، وفي السياسة هذا أمر مفهوم، لكن الناس يستحيل أن تتجاهل دور الدكتور سمير جعجع وحزبه في التسوية، ولاحقاً، إلى جانب «حزب الله» في وضع قانون الانتخاب الذي زوّر تمثيل اللبنانيين. والشارع الذي تعرف السلطة جيداً أنها لا تستطيع تحميله وزر الشلل، أظهر بداية نفس طويل ويتعامل مع الوضع على أنه غير معني بـ«الحلول» الإصلاحية لأن الصراع ليس مسألة تقنية، بل هو صراع سياسي مع أهل السلطة أولاً وأخيراً.. وعنوانه المحوري وقف خطف البلد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتفاضة 17 تشرين الأول انتفاضة 17 تشرين الأول



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon