توقيت القاهرة المحلي 01:52:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هجرة الأدمغة العربية

  مصر اليوم -

هجرة الأدمغة العربية

بقلم -آمال موسى

يحتفل العالم السبت المقبل باليوم العالمي للعلم لصالح السلام والتنميّة. ولقد اختارت الأمم المتحدة في إطار الاحتفال بالذكرى السنويّة الـ70 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن يكون موضوع هذا العام: العلم بوصفه حقاً من حقوق الإنسان.
وكما نرى، فإن الطرق المؤدية لثالوث العلم والسلام والتنمية كثيرة ومتشعبة إلى حد الالتواء. وكذلك شأن مداخل العلاقة بين هذه الكلمات المعاني المفاتيح. وهو ما يعني أن مقاربة هذا اليوم الخاص بالعلم لصالح السلام والتنمية ليست واحدة، ويكفي التمعن في التسمية التي يحملها هذا اليوم حتى ننتبه إلى أن العلم قد استخدم لصالح الحرب والتوترات وهدم مكاسب المجتمعات. بلغة أخرى، فإن تخصيص يوم لربط العلم بفكرتي السلام والتنمية، إنما يندرج في مسار جهد يرمي إلى تصحيح التعامل مع العلم بالدفاع عن وظيفته الإيجابية في حياة المجتمعات.
من جهتنا، نقارب هذه المناسبة الدولية مقاربة تصب في مشاغلنا نحن المجتمعات العربية، حيث لا نستطيع أن نقفز على ظاهرة قتل عدد من العلماء العرب وتصفيتهم، وأيضاً مسألة هجرة العقول العربية في الوقت الذي حاجة المجتمعات العربية لعقولها المبدعة في العلم والمعرفة أكثر من ماسة في ظل المشكلات التنموية التي تعرفها.
إن تناول العلم من زاوية كونه حقاً من حقوق الإنسان يمثل تناولاً مباشراً لأصل الداء في هذه القضية. فالعلم يُتعامل معه من منطلق كونه حق البلدان المتقدمة فقط. أما العالم غير القوي، والموصوف بالتخلف، فهو لا يتمتع إلا بحق الاستهلاك العلمي، أي أنه المستعمل لمنتجات العلم والمعرفة وحريف لها وسوق لا أكثر ولا أقل، والحال أن إسهام العقول العربية في المنجز العلمي الإنساني مهم.
السؤال لماذا يتم احتكار العلم والعلماء في فضاء الدول المتقدمة، ولماذا هناك حيطة من تكون أي قوة علمية في البلدان العربية؟
نحن هنا لا نتناول هذا الموضوع بخلفية تآمرية، ولكن التاريخ على امتداد السنوات والعقود الأخيرة أظهر أن هناك خطاً أحمر أمام تشكل حركة علمية في البلدان العربية، ولا شك في أن الصراع العربي الإسرائيلي يقف وراء الخط الأحمر المشار إليه. ذلك أن توطيد علاقة العالم العربي بالعلم كفعل ممنوع، لأن العلم سيقوي العالم العربي، وقوته تمثل تهديداً، والمصلحة تقتضي أن تظل صلة الفضاء العربي والإسلامي بالعلم مقطوعة ومعطوبة، ولعل هذه المصلحة قد تضاعفت مع ظاهرة الإرهاب التي التصقت مع الأسف بالعرب والمسلمين مما جعل منا خطراً أكبر.
يجب ألا ننسى اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى عام 1952 واغتيال المفكر جمال حمدان. كما أن الحرب ضد العراق قد استهدفت الكثير من العلماء العراقيين، وانطلقت عمليات تصفية علماء عراقيين منذ اليوم الثاني لسقوط بغداد، مع العلم أن العلماء الأكثر تصفية هم الذين ينتمون إلى اختصاصات النووي والكيمياء والهندسة والصناعة والطب.
ويمكننا أن نستنتج أن البلدان القوية المتحكمة في العالم تريد لاختصاصات معينة أن تكون حكراً عليها، ويمنع دخول العرب والمسلمين إلا إذا تحولوا إلى ملك خاص لهم وقطعوا روابطهم ببلدانهم.
إذن العلم سلاح خطير بيد العرب والمسلمين: هذه قاعدة يمتثل لها حكام العالم القوي.
كما أن التصفية تشمل الذين يشتغلون في اختصاصات خطيرة مثل الذرة والنووي، والذين يتعذر جذبهم لنادي الدول القوية الماسكة بزمام العلم والمتحكمة في مقاليده.
في مقابل ذلك، هناك استغلال للأدمغة العربية الذكية المبدعة، فيتم جذبها وتوفير الظروف التي تسهل لها التعبير عن قدراتها وإنجاز محاولاتها ضمن بيئة علمية في منتهى التطور. ولكن هذه التسهيلات هي بمقابل، والمقابل هو أن تستفيد منها دول الجامعات ومراكز البحوث العالمية المتبنية لتلك العقول.
في هذا الإطار، أصبحت هجرة الأدمغة العربية ظاهرة حقيقية بصدد الاتساع، ولقد استغلت البلدان المحتكرة للعلم غياب بيئات علمية في البلدان العربية، وحماسة العقول العربية الواعدة بالعلم والابتكار والاختراع لظروف علمية تعمل على تحقق أفكارهم العلمية وتجاربهم. وهو ما يؤكد أن العقل العربي يسهم في التطور العلمي منذ سنوات. ولعل ما أوردته دراسات إحصائية قامت بها منظمة اليونسكو وجامعة الدول العربية تثبت ما ذهبنا إليه، إذ يسهم العالم العربي بثلث هجرة الكفاءات من الأطباء مثلاً. ويبلغ تعداد علماء مصر وأكاديمييها المقيمين في الخارج 86000 ألف. وتشير التقارير ذاتها إلى أن 54 في المائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
إذن بقدر رفض البلدان المتقدمة لهجرة العرب والمسلمين إليها، بقدر الجهد الاستقطابي للأدمغة العربية والمسلمة، وإغرائها بالعقود عالية القيمة المادية وظروف البحث العلمي الاستثنائية.
المشكلة في بلداننا اليوم هي أن التنمية تتحرك دون علماء ودون بحث علمي ودون وعي، بأن النجاح والتطور هو رهين إسهام العلماء والأدمغة القادرة على إنتاج الفكرة والعلم. فالتنمية في جوهرها إنتاج للعلم. ورغم التحسر على استفادة الغير من عقول العلماء العرب، فإننا في المقابل نعترف أن البيئة العلمية العربية غير قادرة على تلبية شروط العالم كي يكون وكي يكبر. لذلك فإن العلم هو حق وواجب في المقام الأول.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هجرة الأدمغة العربية هجرة الأدمغة العربية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر

GMT 06:58 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

علاج محتمل للسكري لا يعتمد على "الإنسولين" تعرف عليه

GMT 14:10 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أسوان يخطط لعقد 9 صفقات قبل غلق باب القيد لتدعيم صفوفه

GMT 21:53 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

جهاز المنتخب الوطني يحضر مباراة الأهلي والإنتاج الحربي

GMT 17:44 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تونس تتصدر أجانب الدوري المصري بـ16 لاعبًا في الأندية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon