توقيت القاهرة المحلي 03:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة

  مصر اليوم -

أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة

بقلم : آمال موسى

رغم ضعف الرهان على البحث العلمي في معظم بلداننا العربية وهامشية الموارد المخصصة له، فإننا لا نستطيع أن ننكر وجود حركة بحثية حتى لو كانت متواضعة الوتيرة. والغالب على هذه البحوث المنجزة في مراكز البحث أو من باحثين مدعومين من قِبل جهات تعنى بالبحث العلمي أو بجهد خاص من الباحث نفسه، الجدية ووجاهة النتائج وأهميتها، خصوصاً أن الباحثين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية بشكل عام يتفاعلون مع القضايا الراهنة ويحاولون ضمان البُعد الآني للإشكاليات المعالجة، فضلاً عن ربط الدراسات بالمجتمع ومشكلاته، وهو ما يجعل من البحوث المنجزة وظيفية وذات جدوى تفاعلية.
كل هذا جيد ومثلج للصدر ومطمئن قليلاً حتى لو كانت البحوث تُنجز بمشقة وتفتقد الغزارة والرهان الجوهري عليها. ولكن غير الجيد والمحبط والصادم هو وجود قطيعة بين نتائج البحوث وأصحاب القرار في العالم العربي.
ماذا يمكن أن نفهم من هذه القطيعة؟
للوهلة الأولى يمكن التسرع والاستنتاج أن السياسي في بلداننا لا يعترف بالباحثين ويعتبر البحوث نوعاً من اللغو، خاصة إذا كان مجالها العلوم الاجتماعية والإنسانية. وهنا يكون المشكل في كيفية تصور العلم والمعرفة لدى النخب السياسية الحاكمة في بلداننا. ولكن عدم التسرع لا يعفينا من الاعتراف بحقيقة تثبتها مظاهر مادية ملموسة تتمثل في ضعف المخصصات المالية التي تخصصها معظم دولنا للبحث العلمي، فهي ذات حجم ضعيف يعكس - شئنا أو أبينا - التقدير الضعيف للبحث العلمي الذي هو سبب من أسباب النكسة الحضارية للعالم العربي في اللحظة الراهنة.
طبعاً لا يفوتنا أن مجال السياسة هو مجال الآني واليومي والواقعي المحض وأن السياسيين منشغلون بالتعامل السريع مع الأحداث والمشكلات، وهو ما يعسر عملية التفاعل بينهم وبين نتائج البحوث سواء في تحديد القرارات والإجراءات وترتيب الأهم والأكثر أولوية في ضوء رؤى عارفة. ولكن السؤال: لماذا هذه القطيعة غائبة في الفضاء الأوروبي والغربي؟
لا شك، غياب القطيعة في ديار الآخر المتقدم لا تعني التفاعلية العالية والآلية، إذ إن من طبيعة البحث العلمي التريث وأخذ المسافة الموضوعية خلافاً للعمل السياسي ذي الطبيعة الساخنة والسريعة. لذلك فإن التفاعلية الإيجابية بين نتائج البحوث وأصحاب القرار اتخذت لها أشكالاً واستراتيجيات تفاعل وتوظيف متعددة وذات جدوى.
أول نقطة، حسب اعتقادنا، تكمن في كيفية مقاربتنا لأهمية البحوث والنتائج التي تسفر عنها رحلة البحث والأعمال الميدانية وحتى المقاربات الفكرية التفهمية التأويلية؛ لأن العقل السياسي الذي تلقى تنشئة ثقافية وسياسية تعنى بالعلم والمعرفة لن يستطيع تجاهل نتائج المعارف المنشورة.
تتمثل النقطة الثانية في تاريخ العلاقة بين السياسي والمثقف في عالمنا العربي، حيث إنها علاقة لطالما عانت من طعون كثيرة وعميقة. كما أن التاريخ المعاصر لهذه العلاقة، الذي انبنت عليه دول الاستقلالات العربية والإسلامية في القرن الأخير، يقوم على تبعية المثقف الباحث للسياسي وليس حول دولة المثقف ووظيفة الباحث التي هي نشر النور والحقيقة في المظلم الغامض الملتبس من الظواهر والمشاكل الاجتماعية والإنسانية.
أيضاً هناك معطى آخر هو أن جل البلدان العربية بشكل عام ما زالت منشغلة بمعالجة اليومي الحدثي، ولم تنتقل إلى مرحلة الخطط المستقبلية الواثقة الواضحة، خلافاً للعالم المتقدم الذي نراه يتحدث عن سنة 2030 وأبعد من ذلك، إضافة إلى تحصنه بخطط للإنقاذ والتدخل في الأزمات الكبرى غير المتوقعة في المستقبل.
كأن السياسي في بلداننا ليس له وقت لمتابعة نتائج البحوث، ولا توجد في الانتماء الحزبي التابع له ذلك السياسي خلية متابعة تستفيد من تلك النتائج وتحرص على توظيفها في صنع القرار.
إن تكلفة هذه القطيعة باهظة جداً: تكلفة تتمظهر في تكرار الأخطاء وفي تراكم الغموض وعدم الفهم لما يجري من ظواهر وأحداث ولماذا يجري. فمن سنوات طويلة ونتائج البحوث العلمية في بلداننا تنادي بضرورة إيلاء الشباب المكانة التي هي من حقه ليشعر بالاعتراف ويصبح منتجاً ومعنياً ويطوع طاقة الاحتجاج والانشقاق فيما يفيده ويفيد مجتمعه ويجعله إيجابياً وكادحاً من أجل التغيير والتنمية لا قنبلة موقوتة... ولكن حال الشباب في مواقع التنمية والقيادة والمشاركة لا يزال على حاله من التهميش. وأيضاً من سنوات طويلة ومنذ العمليات الإرهابية الأولى وظهور شبكات الإرهاب التي تمعشت من مشكلة القطيعة بين أصحاب القرار ونتائج البحوث والأفكار النيرة للمفكرين العرب الكثر، أشارت مختلف الدراسات إلى أن معالجة الإرهاب ثقافية واقتصادية، ولن نقضي عليه بالتركيز الأحادي على المعالجة الأمنية، ولكن لا صدى لهذه الأفكار والدعوات.
لقد آن الأوان كي تراجع هذه القطيعة من طرف أصحاب القرار وأن يتفاعلوا إيجابياً مع هذه النتائج، وهو تراجع سيُقوي عزيمة الباحثين والمثقفين ويجعلهم يتجاوزون حالة الشعور باللاجدوى والقهر والهدر لمجهوداتهم. وفي المقابل أيضاً فإن أصحاب القرار سيقتربون من المعالجة الصحيحة المؤطرة بأرقى إنتاجات المجتمع فكرياً. فالمعالجة السريعة لا تلغي أبداً فتح قناة تواصل دائمة بين نتائج البحوث وتوصياتها وما تنطوي عليه من اقتراحات وحلول وبين القرارات التي ستكون أقرب للناس بحكم أنها صنعت بضوء العلم والبيانات المستمدة من الناس أنفسهم.
ومن باب الذكاء والمهارة ألا يفوت أصحاب القرار في بلداننا هذه الثروة من الأفكار والاقتراحات والتوصيات... فتذهب هباء منثوراً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة



GMT 20:04 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 03:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 03:10 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 03:04 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل

GMT 05:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تكشف عن كمية القهوة لحياة صحية مديدة

GMT 11:21 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

وزيرة الصحة المصرية تؤكد حرص مصر على دعم لبنان ومساندته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon