توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أزمة ستارمر: الهروب للخارج أم الانزلاق لليمين؟

  مصر اليوم -

أزمة ستارمر الهروب للخارج أم الانزلاق لليمين

بقلم: عادل درويش

في تطور غريب على بريطانيا، طرحت وزيرة الداخلية شهبانة محمود سياسات جديدة للهجرة، تقليداً لسياسة الدنمارك المتشددة. إجراءات مثيرة للجدل كترحيل أطفال المهاجرين، وانتظار عشرين عاماً قبل الحصول على الإقامة الدائمة. بعض نواب حزب «العمال» الحاكم وصفوها بالعنصرية، والزينوفوبية (معادية للأجانب)، والقسوة. في السياق الأعمق، يبدو أن رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي انهارت شعبيته (-54 في المائة سلباً) وفق استطلاعات الرأي، فقد الأمل في استعادة أصوات اليسار من حزب «الخضر» (17 في المائة) و«العمال» (19 في المائة) هذا الأسبوع، فقرر استمالة أصوات اليمين التي تفضل الخطاب الشعبوي لحزب «الإصلاح» (30 في المائة).

الهجرة والهوية أصبحتا في قلب اهتمامات الناخب البريطاني، مما يفسر مهاجمة ستارمر لزعيم «الإصلاح»، نايجل فاراج، على الطائرة، في رحلته إلى جوهانسبرغ لحضور قمة العشرين. الرحلة الرابعة عشرة التي يذهب فيها ستارمر في مهام خارج البلاد في 14 شهراً منذ انتخابه؛ ما غذّى الانتقادات بأنه «يهرب إلى الخارج» بدلاً من مواجهة مشاكل الداخل ومعالجة هموم المواطنين. تصريحاته الحادة ضد فاراج، كانت بشأن تعليقات لنائبة «الإصلاح»، سارة بوتشين، بأن هناك «وجوهاً سوداء وبنية أكثر من اللازم» في الإعلانات التلفزيونية، وفسره كثيرون بـ«العنصرية».

ستارمر، المتهم بالضعف وعدم الحسم، وصف فاراج بالضعف، وعدم الصلابة، مضيفاً أنه كان سيتعامل بحسم لو صدر ذلك عن نائب من حزبه؛ وتساءل عن عجز فاراج عن اتخاذ موقف حازم تجاه «العنصرية في تصريحات زميلته».

الهجوم المباشر غير المسبوق يعكس حالة الذعر السياسي، بينما يحاول ستارمر استعادة زمام المبادرة في ميدان الرأي العام من «الإصلاح» المتقدم في استطلاعات الرأي.

التوتر ينعكس في وستمنستر أيضاً؛ ففي جلسة المساءلة الأسبوعية (الأربعاء) لرئيس الوزراء، هاجم ستارمر، فاراج، في إجابته عن مداخلة نائب الإصلاح، لي أندرسون، الذي قوطع حديثه بموجات من الضحك والضوضاء وعبارات التهكم من نواب حزب «العمال». الظاهرة تتكرر في الجلسات الأخرى، وحتى من نواب «الديمقراطيون الأحرار»، في محاولة واضحة لعرقلة خطاب «الإصلاح» داخل القاعة. ديناميكية تكشف عن خوف دفين من أن يتحول «الإصلاح»، إلى قوة برلمانية مؤثرة، رغم حداثة تجربته وقلة عدد نوابه (5 فقط من 650).

الأرقام تدعم هذا التحول. حزب «الإصلاح» يتقدم «العمال» بفارق 14 في المائة في الاستطلاعات، مع تراجع «المحافظين» أيضاً (17 في المائة)، مما يوضح خريطة انتخابية مجزأة تشير إلى أن البريطانيين لم يعودوا يصطفون حول رايات الحزبين الكبيرين التقليدية. أولويات الناخب (حسب الاستطلاعات): أزمة تكلفة المعيشة والأمن الاقتصادي، في الصدارة، ويليها وضع الخدمات العامة، وبخاصة الصحية، ثم ملف الهجرة (المؤثر سلباً في الثلاثة) والتماسك الاجتماعي، وأزمة الثقة العميقة في المؤسسة السياسية نفسها.

الناخب البريطاني لم يعد يرى في «المؤسسة» ضماناً للاستقرار؛ بل يعدّها جزءاً من المشكلة، فيبحث عن بدائل خارج الأحزاب التقليدية، مما يفسر صعود «الإصلاح» يميناً و«الخضر» يساراً. في هذا السياق، تتجه سياسات وزيرة الداخلية الجديدة إلى اليمين، في محاولة لإعادة الإمساك بملف الهجرة، لكنها قد تزيد من فقدان الثقة؛ إذ تبدو استجابة لضغوط «الإصلاح» لا بوصفها خطة مدروسة.

الملاحظات المهمة: ما يحدث مع المجموعة الصحافية البرلمانية بعد جلسات الأربعاء، مساءلة رئيس الوزراء الأسبوعية. فلعقود، يتجمعون عند مدخل المنصة الصحافية مع السكرتير الصحافي للحكومة والمستشارة السياسية لرئيس الوزراء. بعدها تتولى السكرتارية الصحافية لحزب المعارضة (المحافظين حالياً) الحوار مع الصحافيين. في الأسابيع الأخيرة بدأت مجموعة الصحافة البرلمانية تتجمع حول سكرتارية صحافية ثالثة: متحدث «الإصلاح» ومستشار فاراج السياسي. تطور غير مسبوق؛ حتى في أثناء فترات حقق فيها «الديمقراطيون الأحرار» مكاسب كبيرة في المقاعد البرلمانية. اليوم لم يعد «الإصلاح» مجرد تيار احتجاج؛ بل أصبح طرفاً رئيسياً في معادلة السياسة البريطانية، فحين يقرر الصحافيون أن الوقت حان للإنصات لزعامة الإصلاح، فهم يعكسون اهتمامات قرائهم ومستمعيهم ومشاهديهم، بأن طرفاً ثالثاً بات جزءاً من المشهد السياسي الدائم.

السياسة البريطانية تدخل مرحلة جديدة من التشظي؛ لم تعد ثنائية «العمال» و«المحافظين» صاحبة البيت السياسي؛ بل توزعت الملكية بين قوى متنافسة يتصدرها «الإصلاح» بخطاب شعبوي، وتتعزز بأزمة ثقة في النظام نفسه. مشهد التجمعات الصحافية الثلاثية بعد مساءلة رئيس الوزراء ليس تفصيلاً بروتوكولياً؛ بل علامة على تغير اللعبة: سياسة تعددية مضطربة، وصراع على الهوية، ومؤسسات تواجه أزمة شرعية، ورئيس حكومة حائر بين الهروب إلى الخارج أو الانزلاق نحو سياسات أكثر يمينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة ستارمر الهروب للخارج أم الانزلاق لليمين أزمة ستارمر الهروب للخارج أم الانزلاق لليمين



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt