توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فجر أكتوبر.. وظلام يونيه

  مصر اليوم -

فجر أكتوبر وظلام يونيه

بقلم : ناجح إبراهيم

فى بداية حرب أكتوبر جاء عبدالقادر حاتم وزير الإعلام بأول بيان للحرب إلى رئيس الإذاعة بابا شارو «محمد محمود شعبان» الذى أمسك بالبيان الأول وتذكر مهزلة بيانات نكسة 5 يونيه 1967 وتنهد قائلا لحاتم: «ثانى».. فبكى حاتم وهو يقول: «والله هذه المرة بجد ــ أى بحق» فبكى الاثنان وأذيع البيان الأول لنصر أكتوبر بصوت المرحوم صبرى سلامة والذى شرفه الله بإذاعة معظم بيانات نصر أكتوبر ولم تكن هذه البيانات وحدها تحمل الصدق والنصر، بل كانت مصر كلها تحمل كل هذه المعانى وقتها.. فالصدق ينتقل من البيان ومذيعه إلى القلوب والنفوس.

لقد كانت لحظات نصر أكتوبر فارقة فى تاريخ مصر ما بين هزيمة كانت تمثل أكبر فاجعة فى تاريخ مصر والعروبة.. فقد احتلت إسرائيل ــ الدويلة الصغيرة ــ أضعاف مساحتها بدءا من الجولان والضفة الغربية وجنوب لبنان وسيناء وانتهاء بالقدس الغربية ولأول مرة يحتل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة منذ عهد صلاح الدين الأيوبى.

وزاد الهزيمة ثقلا على أجيال مثل أجيالنا أنها كانت تسمع قبلها بأيام من الإذاعة بأنه لم يبق أمام قواتنا سوى 15 كيلو لتصل إلى تل أبيب، فضلا عن خطابات الرئيس ناصر التى كانت تدغدغ عواطف الشباب بطريقة غير مسبوقة مثل «سنلقى بإسرائيل ومن وراء إسرائيل البحر».

لقد كانت الآمال التى تحدو أجيالنا تصب كلها فى أمرين هما الوحدة العربية وتحرير فلسطين، فإذا بفلسطين لا تتحرر وإذا بإسرائيل تلتهم بقية فلسطين وما حولها.

لقد أدرك جيلنا بعد ذلك أن جزءا كبيرا من التاريخ قد تم تزييفه عمدا ومع سبق الإصرار والترصد وأن نصر مصر على العدوان الثلاثى فى عام 1956 كان نصرا سياسيا ولم يكن نصرا عسكريا كما كان يسوق لنا، فقد تصورنا أننا قهرنا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عسكريا وسياسيا.

نعم.. كان كفاحنا فى حرب 1956 عظيما وتضحياتنا لا حدود لها، ولكننا لم ننتصر عسكريا.

وكان الإعلان عن صواريخ ظافر وقاهر فى الستينيات مبهرا فهى التى يمكن أن تدك إسرائيل.. وكان ذلك وهما كبيرا فقد تم الإعلان عن الصواريخ قبل بناء منظومة التوجيه لها وهى أصعب وأدق جزء فى صناعة الصواريخ، وكان يسوق لجيلنا أن جيشنا يستطيع سحق الإسرائيليين فى ساعات معدودة مع أن الأخيرة كانت تمدها أمريكا بأحدث الأسلحة الأمريكية.

كان الإخلاص فى الستينيات كبيرا وعفة اليد متوافرة والزهد فى المال العام موجودا.. ولكن كل الحريات العامة غائبة والديمقراطية لا وجود لها.. والعمل المدنى ميت.

كان صوتنا قبل 1967 أعلى بكثير من إمكانياتنا، كنا نزعق باستمرار، ونهتف على طول الخط.. وجهد حناجرنا أقوى من عملنا أو جهد عقولنا.

كانت مؤهلات القيادة هى الولاء للثورة أكثر من الكفاءة والمهنية إلا فيما ندر.. وضربت كل طائراتنا على الأرض فى حرب 1956 فلم يحاسب أو يعاقب أو يراجع أحد على ذلك.. فتكرر هذا الأمر بحذافيره فى 5 يونيه 1967.. ودمر سلاح الجو المصرى مرتين بنفس الخطأ.

أما بعد الهزيمة وفى نصر أكتوبر فكان الصمت طويلا والعمل بليغا وقويا ودقيقا وعلميا منهجيا، كانت القيادة محترفة متفرغة لا تنشغل بنادى الزمالك أو بالصلح بين عبدالحليم وأم كلثوم، ولا بشئون الاحتفالات والحفلات.
كان القادة العظام قد تبوأوا سدة القيادة أمثال :أحمد إسماعيل، الشاذلى، الجمسى، محمد على فهمى، مبارك، عبدالمنعم خليل، وواصل، سعد مأمون، عبدالمنعم رياض، محمد فوزى..لا يكادون يذهبون إلى بيوتهم، حرفتهم القتال فقط، يعيشون للنصر أو الشهادة، يطورون فى كل شىء ويعالجون كل مشكلة، يعملون ولا يتكلمون، يقدسون النظام، لا يتعاملون مع الجيش تعامل المعلم مع صبيانه، ولكن تعامل القائد المحترف مع مرءوسيه.. فظهر قادة عظام من أجيال أخرى أمثال :أحمد الزمر، إبراهيم الرفاعى، أبو غزالة، عفيفى، قابيل، إبراهيم العرابى.

لقد كان نصر أكتوبر لحظة فارقة فى تاريخ مصر فحل الأمل والنصر ورحل اليأس والهزيمة فلأول مرة فى تاريخ مصر لم تسجل أقسام الشرطة حادثا واحدا، وهذا لم يتكرر إلا فى الأيام الأولى لثورة 25 يناير، فى كلتا الحالتين تحولت مصر وقتها للمدينة الفاضلة.

وأثناء الحرب بدأ الشباب يذهب إلى الجرحى يواسيهم وإلى أهل الشهداء لتعزيتهم، فقد كان فى كل بيت جريح أو مقاتل أو شهيد.. وكان الرضا يغمر القلوب والبيوت.. وكان جميع الشباب وقتها يختلف جذريا عن شباب اليوم فى كل شىء.

نصر أكتوبر العظيم هو أعظم حسنات الرئيس السادات.. ولو أنه لم يصنع شيئا فى حياته سواه لكفاه وأغناه وأعزه فى الدنيا والآخرة، ومعظم الذين ينتقدونه من الحكام العرب وأتباعهم فشلوا فى الحرب والسلام فلم ينتصروا فى الحرب ولم يبيعوا جاههم من أجل السلام فلا أدركوا هذه ولا تلك.

وحسنة نصر أكتوبر العظيمة تجب لأصحابها ومنهم الرئيس السادات أى خطأ سياسى.. وللسادات حسنات عظيمة أخرى منها: الإفراج عن المعتقلين وإغلاق السجون وإلغاء الطوارئ وتحرير الأرض فضلا عن الرفاهية الكبيرة وبداية نمو الاقتصاد المصرى فى عهده ووقف أخذ الناس بالشبهات ووقف التعذيب وكل هذه حسنات كبرى تغفر أى هنة سياسية مثل التحفظ الذى أجراه فى آخر عمره.

رحم الله أبطال أكتوبر جميعا.. ورحم الله السادات الذى ظلمه الإسلاميون واليساريون والناصريون والاشتراكيون وبعض المثقفين والقوميين وكل الإيرانيين.

نقلاً عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فجر أكتوبر وظلام يونيه فجر أكتوبر وظلام يونيه



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon