توقيت القاهرة المحلي 02:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكورة وأنوثة!

  مصر اليوم -

ذكورة وأنوثة

بقلم : د.محمد الرميحى

الأسبوع الماضي كان أسبوع المرأة، واحتفلت وسائل الإعلام العربية بكل فروعها بتلك المناسبة. طبعاً كان الاحتفال أيضاً على مستوى العالم، ما يعنيني هو الفضاء الثقافي العربي وعلاقته بالمرأة ونظرته إليها.

المرأة العربية تعيش في أجواء ذكورية بالمعنى العام، استمعت إلى إحداهن تتحدث في محطة إذاعة عربية دولية، فتقول إن جمال المرأة في خمارها، وبخاصة الأسود! ثم تردف: "ألم تسمع الشعر الجميل الذي يقول: قل للمليحة في الخمار الأسود .... ماذا فعلت بزاهد متعبد"! إلى آخر القصيدة!!

فوجئت بهذا الرأي من امرأة مثقفة، فقصة الخمار الأسود معروفة، فقد جاء تاجر إلى المدينة بأنواع مختلفة من الأخمرة معظمها ملونة، من بينها الأسود، فأقبلت نساء المدينة على الأخمرة الملونة، ولم يبع التاجر من اللون الأسود إلا القليل، فاستأجر شاعراً لترويج بضاعته، كما يستأجر التجار اليوم (فشنستات) لترويج بضاعتهم! فقال ذلك الشاعر تلك الأبيات للإشهار لا غير متخيلاً الموقف، فلا وضوء ولا مسجد ولا أي من الصور الجميلة التي رسمها ذلك الشاعر، ولكن الغرض تحقق، فقد أقبلت النساء وقتها على شراء الخمار الأسود، القضية مجرد تسويق!

كثير من قصص المرأة العربية ذكوري وتراثي في آن، فالتراث مثلاً لم يفرض شكلاً معيناً من اللباس للمرأة، لقد لبست المرأة العربية، على مر العصور، والرجل مثلها أيضاً، ما هو سائد في بيئتها وبيئته، وأي رابط بين التراث والملابس، هو رابط تعسفي يحض الرجال أو بعضهم عليه لأسباب خاصة بهم وليس بالمرأة، ومن الأخطاء الكبرى التي ما زالت ترتكب قرن الملابس أو الشكل الخارجي بالعفة، وهذا أيضاً فرض ذكوري، فليس للشكل الخارجي أو الملابس علاقة بالعفة، والأخيرة تنبع من التعليم والثقة بالنفس والتربية ولا ترتبط بالملابس الخارجية.

قامت المرأة العربية أيضاً على مر الزمن بالعمل إلى جانب الرجل، أو حتى منفردة، سواء خارج المنزل كالعمل بالفلاحة، أم داخل المنزل، فالعمل حق من حقوقها كإنسانة.
في موضوع الحقوق خسرت المرأة العربية في زمن التراجع الكثير من حقوقها، والمؤسف أن تلك الخسارة قبلها قطاع واسع من النساء، على أنها حقيقة يجب التعايش معها.

في الذهن الجمعي العربي الرجولي أن المرأة بالضرورة ناقصة، وأنه يجب حمايتها، ليس من الآخرين فقط، ولكن من نفسها!! وأقرب وصف لتلك الفتاة التي تطالب بحقوقها قولهم إنها "مسترجلة" كوصمة عار وتهميش.

في بعض بلداننا كانت هناك محاولات لإدماج المرأة في السلك الشرطي أو العسكري، إلا أن تياراً فكرياً قوياً ناهض ذلك التوجه، فتراجعت السلطات كما حدث في الكويت (بخاصة في السلك العسكري) أخيراً. بلدان أخرى مثل عُمان والمملكة العربية السعودية خطت تلك الخطوة وأصبحت المرأة في سلك القوات المسلحة، وذلك بطبيعة الحال أمر يُحمد.

ورغم أن الدساتير الحديثة في الدول تنص على كفالة الحرية والمساواة بين المواطنين من دون تفرقة، إلا أنها على أرض الواقع تقيدها بقوانين تفرغها من فلسفتها وغرضها.

أمام المرأة العربية لتنال حقوقها الإنسانية والقانونية كاملة أشواط طويلة، إلا أن المطلوب هو تغيير المنهج، وحتى الآن المنهج في تمكين المرأة وإدماجها هو منهج ذكوري بامتياز، أي المفاضلة بين نساء ورجال، وحرب بين بعض شرائحهم تحت غطاء تراثي أو اجتماعي أو اقتصادي، فيما المطلوب منهج يتصف بالتعامل مع المرأة كإنسانة، مثل الرجل كإنسان.

والإنسان له متطلباته الحياتية والمعيشية والثقافية، وهي شيء واحد للذكر والأنثى، ولكن تجد البعض مثلاً في موقفه من شريعة حقوق الإنسان العالمية يتحفظ، بل ويرفض علناً أن تنطبق تلك النصوص العامة على النساء، كمثل حق الزواج أو حق الانفصال أو الزواج من مخالف في العقيدة! في الوقت الذي يسمح الرجل لنفسه بفعل ذلك!

تعاني المرأة العربية، رغم تخصيص يوم عالمي لها، دونية، في بعض البيئات ظاهرة وفي بعضها مبطنة، وليس شعار تمكين المرأة إلا شعاراً تسكينياً فقط، فحتى الساعة العلة في الثقافة السائدة، وهي ثقافة ذكورية تخضع المرأة لمقتضياتها بوعي أو من دون وعي، والثقافة لا يمكن تغييرها بقانون أو تشريع، فما زال البعض يفصل البنين عن البنات في التعليم، بل ويفاخر في الدفاع عن ذلك نتيجة ثقافة راسخة لديه، وما زال البعض يعتبر عمل المرأة في الفضاء العام مكروهاً، بل وصل الأمر ببعضهم ممن يصف نفسه بأنه من طائفة "الدعاة" أن حرّم على المرأة لبس البنطال! ولن أستغرب إن قام مثل هؤلاء بتحريم التعليم أو العمل، فمثلهم كما يشهد العالم في إيران حيث تسميم البنات في المدارس دليل إلى الخطر الذي تستشعره الجماعات المتزمتة في تعليم البنات، فقد سُممت نحو تسعمئة طالبة تخويفاً للأخريات. أما في أفغانستان فتُحرم النساء من التعليم والعمل ويقوم النظام بذلك أمام العالم كله، إلحاقاً كما يدّعي بالدين والأخير منه براء، إنها شعوذة تدفع المرأة فيها أغلى الأثمان وهي نصف المجتمع وأم الأجيال، فأي نوع من الأجيال ننتظر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكورة وأنوثة ذكورة وأنوثة



GMT 13:12 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

حديث الأمير الشامل المتفائل

GMT 00:50 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

الأميرة رجوة تتألق بفستان أحمر في أول صورة رسمية لحملها

عمان ـ مصر اليوم

GMT 16:21 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

49% يؤيدون انسحاب ترامب عقب إدانته
  مصر اليوم - 49% يؤيدون انسحاب ترامب عقب إدانته

GMT 01:07 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

هالة صدقي تكشف عن سبب غيابها خلال الفترة الماضية
  مصر اليوم - هالة صدقي تكشف عن سبب غيابها خلال الفترة الماضية

GMT 13:05 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع
  مصر اليوم - تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع

GMT 00:43 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

انتصار السيسي تطمئن على صحة الفنانة نادية لطفي

GMT 12:37 2020 الخميس ,25 حزيران / يونيو

لاباديا يوضح تدريب هيرتا برلين كان تحديا كبيرا

GMT 08:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

وفاة رئيس الاتحاد الأوروبي لألعاب القوى

GMT 21:23 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طلب غير متوقع من أسرة قتيل فيلا نانسي عجرم

GMT 05:44 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نانسي عجرم تعود إلى نشاطها الفني بعد مرورها بفترة عصبية

GMT 22:45 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المخرج الأردنى رفقى عساف عن عمر ناهز 41 عاما

GMT 22:22 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رد ناري من خالد الغندور على رئيس الزمالك

GMT 01:55 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مجوهرات ونظارات عصرية على طريقة نجود الشمري

GMT 21:25 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مي كساب تضع مولودها الثالث وتختار له هذا الاسم

GMT 14:54 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

أول تعليق من نيكي ميناج بعد اعتزالها الغناء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon