توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدول المتحدة الأميركية الأفريقية اللاتينية

  مصر اليوم -

الدول المتحدة الأميركية الأفريقية اللاتينية

بقلم : عبد الرحمن شلقم

كل انتخابات رئاسية أميركية، تضيف فصلاً جديداً في مجلد أميركا الكبير، حياتها وحركتها وتكوينها السياسي والاجتماعي. بلاد مبتكرة لا تتوقف عن التجدد الذي لا يخلو من ضربات مسرحية تهز الناس، وتجعلهم أمام كومة من الحيرة، بمن فيهم الغالبية الساحقة من أهل البلاد. لا تتوقف عقولهم عن الركض وراء التغيرات السريعة التي لا تخلو من صدمات تطال كل ما يتحرك في فجاج الحياة الأميركية الهائلة.
خُلقت أميركا منذ البداية واسعة وضخمة وقوية. كل شيء فيها «إكس لارج»، أي كبير جداً، البشر بأجسامهم العملاقة، وحتى أواني الأكل والعمارات والطرقات والأسواق والسيارات، بالإضافة إلى الموسيقى الصاخبة والرياضات العنيفة. تجمَّع في هذه الدنيا الجديدة أجناس من كل بقاع الأرض. لا توجد بلاد في الكرة الأرضية لم تصدّر كثيراً أو قليلاً من أبنائها إلى الكون المكتشف والمبتكر، الولايات المتحدة الأميركية. هي دول متحدة united states ترجمها لنا العثمانيون (ولايات) كي لا تنتقل العدوى إلى ساحات السلطنة، التي أطلقت على بلدان سلطتها (ايالات)، وتوارثنا الترجمة الخطأ إلى اليوم.
أميركا الكائن الجديد الذي اقتحم الكون بتكوين منفرد في كل شيء، لا تتوقف عن التشكل في اندفاع خاص قد لا يخلو من القفزات النوعية. السود من كائنات لا مكان لهم في الحياة، بل في الوجود، إلى سدة الرئاسة، والمرأة التي لم تكن تتمتع بحق التصويت، أصبحت رقماً سياسياً فاعلاً، أما اللاتين القادمون من الجنوب فقد صاروا المكون المتحرك نحو تصميم خريطة المجتمع الذي يغامر في كل مسارب الحياة ويعيد خلق ذاته من دون توقف.
أميركا دنيا جديدة صنعها بشر من كل العالم. اكتشفها الرجل الأوروبي الأبيض وسيطر على كل شيء فيها، الأرض والناس الذين كانوا من دنيا أخرى ولون آخر. حمل الرجل الأبيض آلافاً من الأفارقة مكبَّلين ليكونوا آلة الزراعة والصناعة وتأسيس البنية التحتية. صارت الدنيا الجديدة حلم الإنسان في العالم كله وبدأ غزو من نوع آخر. الولايات المتحدة صنعها العالم، لكنها لم تتوقف عن صناعته منذ أن توحدت وأصبحت قوة ضاربة في كل المجالات.
الرجل الأبيض جعل اللون هوية. الهنود الحمر أهل البلاد الأصليون لا وجود لهم، والسود الأفارقة لا مكان لهم.
يمكن للإنسان أن يعاند الطبيعة ويدخل في معارك متواصلة معها من أجل إخضاعها لغاياته، لكن عناد صيرورة الحياة وتطورها ضرب من المغالطة التي لا تصمد أمام حقائق الحياة ذاتها. الانتخابات الرئاسية الأميركية، هي البوصلة الاستثنائية التي تعين التوجه الأميركي بكل قواه السياسية والاجتماعية والثقافية والمالية. انتخابات 2020 الرئاسية كانت الإعلان الجماعي عن حجم التغيير الذي شهدته الدول. الذين ترشحوا للرئاسة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري سنة 2016، خاضوا معارك في مناظرات بينية داخل كل حزب. المسابقة في الحزب الجمهوري كانت تعبيراً عن قلق سياسي ومراجعة حادة لمواصفات القيادة السياسية. تنافس سبعة عشر من رجال الحزب بعضهم من العيار السياسي الثقيل داخل الحزب، لكنه قادماً مجهولاً في دنيا السياسة، وإن كان له وجود في دنيا المال والأعمال والإعلام، هو دونالد ترمب اقتحم جمعهم وقارع محفلهم بلغة غير معهودة، ونجح في اجتياز الجميع. كان ذلك مؤشراً على أن أميركا تعيد النظر في الموروث من تراثها السياسي والاجتماعي. فوز دونالد ترمب في تلك الانتخابات أمام هيلاري كلنتون عضو الكونغرس وزوجة رئيس سابق، كان إضافة إلى رتل الأسئلة الطويل.
مخرجات الانتخابات الرئاسية لهذا العام، وضعت إجابات لأسئلة طرحها التغير الاجتماعي الكبير في أميركا.
الرئيس المنتخب جون بايدن رجل سياسي مخضرم. عضو كونغرس لعقود عدة ونائب لأول رئيس من أصول أفريقية، كاثوليكي المذهب وهو الثاني بعد جون كنيدي من الكاثوليك في الرئاسة، من عائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى. المؤشر الكبير على نوع وحجم التغير هو وصول امرأة إلى منصب نائب رئيس الجمهورية لأول مرة، ولكن أي امرأة؟ إنها كامالا هاريس، ذات الأصول الأفريقية الآسيوية، والدها من جامايكا ووالدتها من الهند، وهي من يسار الحزب الديمقراطي. لا شك أن جون بايدن الذي تبادل معها الهجوم في الانتخابات الترشيح داخل الحزب الديمقراطي، قد اختارها لتكون نائبة له في الحملة الانتخابية للرئاسة، لا شك أنه قدر بعمق ودقة قدرتها على اجتذاب أصوات اللاتين والسود والآسيويين، وكذلك شريحة اليسار داخل الحزب الديمقراطي. الأبيض الأميركي لم يعد يحتكر الأوراق التي تصنع القادة في أميركا.
لقد تغيرت خرائط قوة التصويت في الولايات الزرقاء والحمراء، وسال لون سياسي واجتماعي آخر فوق ساحة الدول المتحدة. الخريطة الديموغرافية الجديدة، أنتجت دنيا مبتكرة أخرى لن يتوقف تحركها وتأثيرها في قادم السنوات. القادمون الجدد يصنعون خريطة اجتماعية جديدة وعددهم يتزايد بقوة. ذوو الأصول الإسبانية في نيفادا 33 في المائة وفي أريزونا 36 في المائة، وفي كاليفورنيا وتكساس 44 في المائة وفي نيو ميكسيكو 52 في المائة، وفي عدد كبير من الولايات لهم وجود واسع يتزايد. في تعداد عام 2006 وصل عدد السود إلى 40 مليون نسمة. هذا التكوين السكاني له انعكاسات اقتصادية كبيرة، ولكن أثره في المجال السياسي أقوى بكثير، حيث الاصطفاف العرقي يتداخل مع التوجه السياسي. الحزب الديمقراطي هو الفضاء الذي يتحرك نحوه غالبية المكونات التي تنتمي إلى الأقليات. إنها القوة التي تتزايد عدداً، حيث نسبة الإنجاب فيها أكثر بكثير منه في المكون الأبيض للسكان. لقد كان وصول باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض، المطرقة التاريخية الضخمة التي كسرت جدار التابو العنصري، وأزالت ما تراكم عبر عشرات العقود من الزمن فوق سطح الحياة السياسية في الولايات المتحدة.
اليوم السيدة كامالا هاريس الآسيوية الأفريقية الأميركية، تستعد لدخول البيت الأبيض نائبة لرئيس هرم، لا يعلم أحد مدى قدرته على فاعلية القيادة ومقاومة الزمن، فأين ستكون حدود دورها؟ أميركا اليوم فعلاً دول أميركية أفريقية متحدة... تكوين آخر بنسيج اجتماعي جديد ومسارات مبتكرة قادمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدول المتحدة الأميركية الأفريقية اللاتينية الدول المتحدة الأميركية الأفريقية اللاتينية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:36 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله
  مصر اليوم - ميسي يتحدث عن العامل الحاسم في اعتزاله

GMT 02:02 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الملكي يتقدم 1-0 قبل نهاية الشوط الأول ضد ألكويانو

GMT 10:15 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

للمرة الثانية أسبوع الموضة في لندن على الإنترنت كلياً

GMT 14:16 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الحكم في طعن مرتضى منصور على حل مجلس الزمالك

GMT 09:20 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

طريقة لتبييض الأسنان ولإزالة الجير دون الذهاب للطبيب

GMT 08:52 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري اليوم السبت

GMT 02:02 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا

GMT 09:09 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسني يؤكد لو تم علاج ترامب في مصر لكان شفائه أسرع

GMT 14:47 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا يعلن عن تعاقده مع أغلى صفقة في تاريخه

GMT 04:36 2020 الخميس ,20 شباط / فبراير

ابن الفنان عمرو سعد يكشف حقيقة انفصال والديه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon