توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هذه الحيرة مع الإسلام وضده!

  مصر اليوم -

هذه الحيرة مع الإسلام وضده

بقلم: رضوان السيد

عندما بدأ أصدقائي ومعارفي في السودان ومصر يتصلون بي متسائلين عن رأيي في الاتفاقية الثانية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية – قطاع الشمال، التي تنص على فصل الدين عن الدولة، وألا يكون للدولة دينٌ رسمي منصوص عليه في الدستور، كنتُ أوجه نظرهم (مقتنعاً أو غير مقتنع) إلى أن الأمر له عدة أوجه. إنها ليست «إسلاموفوبيا» كما يظنون، فقد صار الدين عاملاً في الصراع الذي هو إثني وقَبَلي في الحقيقة وفي دارفور كما في جبال النوبة والنيل الأزرق، لأن نظام البشير استخدم الإسلام بكثافة في الصراع. ثم إن السودانيين الجدد لديهم أولوياتٌ أخرى. في الاتفاقية الأولى مع الحركة الشعبية – شمال (عبد العزيز الحلو) كان ضمن البنود: حق تقرير المصير، وبقاء جيشين، وفصل الدين عن الدولة. أما في الثانية التي وافقت عليها كل الأطراف فقد اختفت مسألة تقرير المصير، ويصير الجيش واحداً، بل وجرى تجميل الدولة العلمانية الفاصلة بالنص على أن مسائل الأحوال الشخصية تخضع للأعراف والعادات والشرائع المختلفة في كل ناحية. لقد صارت «التعددية» من كل صنفٍ ونوعٍ هي العنوان الرئيس لكل شيء. وقلت أيضاً: المسألة في النهاية رمزية، ففي العالم 152 دولة يُذكر الدين في دساتيرها ولا يؤثر ذلك في علمانيتها ولا في حقوق المواطنين الأساسية ومنها الحريات الدينية. وفي البداية والنهاية: لا تنسوا أيها السودانيون ثلاثين عاماً من حكم البشير وصحبه، التي ما بقيت فيها كبيرة إلا ارتُكبت، وصار السودان دولتين، ولولا لطف الله وثورتكم لكنتم الآن عدة دولٍ وكيانات. سلطاتكم الآن وهي مؤقتة على أي حال حريصة على الأقل على أرض السودان الواحدة، فتذكروا دولة الانقلاب التي كانت تزعم أنها دولة الأمة، كيف تنافس الترابي والبشير في التخلي عن الجنوب، ثم يتبين لكم الآن أيضاً أن دولة القتال والاقتتال الدائم كانت متخلية لإثيوبيا عن أراضٍ خصبة وبشر ومساحات تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة لبنان!
لقد أمسك بي الأصدقاء من بين كل هذه الحجج والمعاذير - مع أنني لم أحضر المحادثات عند ميارديت أخي الجميع! - عند المسألة الرمزية المتعلقة بالهوية والانتماء، خاصة أن عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور وصحبهما هم جميعاً من أصول إسلامية، فلماذا لا يعترض اشتراكيو اليونان وعلمانيوها على ذكر الأرثوذكسية في دستورها، بينما يعترض اشتراكيو السودان على ذكر الإسلام؟!
عبر أكثر من ستين عاماً من التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية، وعلى حواشي ظواهر «عودة الدين»، ظهر وتعملق ما صار يُعرف بالإسلام السياسي، وقد تجاوز الرمزية كثيراً جداً، ليصبح نظاماً للحكم، يطمح من خلال أحزابه إلى السيطرة في سائر أنحاء العالمين العربي والإسلامي؛ ولماذا ولأي هدف؟ لتطبيق الشريعة! كأننا لسنا مسلمين وينبغي أن يجدد لنا الإسلاميون الجدد إسلامنا بإقامة الدولة الميمونة أو العودة إليها! هو دينٌ مختلفٌ عن كل الأديان، وهي دولة مختلفة عن كل الدول. مهمة أي دولة في العالم حُسْن إدارة الشأن العام، أما مهمة دول الإسلاميين فهي تطبيق الشريعة! ومن يقول إن الشريعة مهجورة؟! الشريعة هي الدين، وهي وحدانية وعباداتٌ وأخلاقٌ تعاملية؛ وهو السائد في كل مكانٍ وأكثر من أي زمنٍ آخر في تاريخنا الطويل العريض. لقد كان المقصود أن تصبح «الشريعة»، بحسب اعتبارهم، هي مناط الشرعية، فتصبح دولنا الوطنية ناقصة الشرعية إن لم يَسُدْ فيها هؤلاء النابتة الجدد.
أين كان الآخرون؟ تحوّلت السلطات في عشر دولٍ عربية وأكثر إلى سلطاتٍ عسكرية وأمنية. وكلا الطرفين يريد السلطة ولا شيء غير. فنشب صراعٌ أسطوري في أهواله وهو - إلى جوانب استراتيجية – الوضع الذي تحدث عنه مالكولم كير في كتابه الذي صار شهيراً: «الحرب الباردة العربية». لكن أيها الإسلاميون: أنتم أذكى ممن؟ الضابط أيضاً يستطيع أن يكون إسلامياً، بل ويطبق الشريعة! وهكذا تلوّن القذافي في البداية، وفعل النميري في النهاية، وفعل البشير دائماً! والسودانيون وحدهم هم الذين ما انطلت عليهم هذه الحيلة: ثاروا على عبود ثم ثاروا على النميري وثاروا أخيراً على البشير. ما قبلوا دعاوى الانضباط المقصور على العسكريين، ولا دعاوى الإسلام السياسي وسواء حمل رايته العسكري أو الترابي!
ومنذ أكثر من عقد يبشرنا أوليفييه روا وجيل كيبيل بفشل الإسلام السياسي. لكن الظاهرة متعددة الجوانب والمنافذ. فإن كان المقصود أنهم سقطوا في عدة بلدان بعد تجربة أو تجارب فاشلة؛ فهذا صحيح. وإن كان المقصود أن العنيفين الذين يسمون أنفسهم جهاديين فشلوا، فهذا صحيح أيضاً. لكن الظاهرة لم تنتهِ. ويرجع ذلك لا إلى الاضطهاد الذي يتعرضون له، ولا إلى تأييد الناس لهم، بل إلى التأثير الكبير الذي مارسوه في المدى المتوسط، وليس على الفئات الفقيرة وحسْب؛ بل وعلى بعض الفئات الوسطى في المجتمعات. في أواخر الثمانينات من القرن الماضي ذهبتُ مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رحمه الله، إلى مصر، وكان الشيخ وهو معارض لولاية الفقيه، قد كتب في «ولاية الأمة على نفسها»؛ ويأمل من رجالات الدين والثقافة بمصر دعمه باعتبار أنهم وهم من أهل السنة يقولون أصلاً بالاختيار والشورى لا بالإمامة المعصومة. لكنه فوجئ بأن معظمهم والمدنيين قبل المشايخ يذهبون إلى أن الولاية للشريعة وليس للأمة!
في العقدين الأخيرين تصاعد النضال الفكري والشرعي والسياسي للخروج من الإحيائيات واستعادة السكينة في الدين، وتجديد تجربة الدولة الوطنية المدنية. وقد انعقدت شراكاتٌ مع الأديان الأخرى والثقافات، وصدرت وثائق وإعلانات، وأُنشئت معاهد ومراكز للفتوى والتدريب؛ وكان من مقاصد ذلك كله اجتراح تحولٍ في الخطاب الديني. وقد تحققت نجاحاتٌ وتبينت وجوهُ قصور. إنما مع الانصراف المتزايد عن الإسلامين السياسي والجهادي، لا تزال الرغبة لدى الجمهور المتدين ظاهرة في ضرورة حفظ نوعٍ من العلائق بين السياسي والديني. لا فصل ولا قطيعة، ومن ناحية أُخرى لا إدخال للدين في خاصرة السلطة! وهي عملية وإن نفع فيها العلماء فإن ولاتها الحقيقيين هم رجال الدولة الأقحاح!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذه الحيرة مع الإسلام وضده هذه الحيرة مع الإسلام وضده



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt