توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غربة العرب في روايات العرب!

  مصر اليوم -

غربة العرب في روايات العرب

بقلم - رضوان السيد

كان معرض الكتاب الدولي في أبوظبي شديد الازدهار والحركية، سواء بالكتب التي عُرضت فيه، أو بالمناسبات الثقافية التي حفل بها المعرض، من سائر الأنواع. إنما الأبرز فيما لاحظته معروضات الأدب الروائي التي اقتنيتُ عدداً منها. ولستُ ناقداً أدبياً لكنّ الأدب الروائي يفتنني منذ أيام الشباب. وعلى سبيل المثال، وعندما نشبت الحرب الروسية - الأوكرانية، ما أقبلتُ على القراءة عن روسيا بوتين فقط؛ بل عدتُ فقرأتُ «الحرب والسلام» لتولستوي، و«الجريمة والعقاب» أو «الإخوة كارامازوف» لديستويفسكي. الفئة التي أنتمي إليها هي فئة المختصين المحترفين؛ لكنْ في كثيرٍ من الأحيان يضيق المرء باختصاصه أو يضيق اختصاصه به لشدة الأُلفة وسواد التكرار وهل غادر الشعراء من متردَّم! إنما ليس لهذا السبب أو ذاك فقط لفت انتباهي وأنا المتابع للظواهر الفكرية العالمية والعربية، صعود نجم الأدب الروائي والإنتاج الروائي الغزير المكتوب من عرب أو المترجم إلى العربية؛ بل لأنني كما اعتبرتُ الكتابة الفلسفية العربية في السنوات الأخيرة ظاهرة فكرية جديدة وواعدة، كذلك اعتبرت الإنتاج الروائي العربي ظاهرة فكرية من ضمن التحولات، كما أنها تجدد اتصالنا بالشباب؛ وبخاصة أنني لا أُتابع وسائل الاتصال الجديدة التي تكاد تكون قصْراً على الشباب.
البارز من وجهة نظري في روايات العرب الجديدة موضوع الغربة. والغربة أنواع، فقد تكون غربة عن المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب، وقد تكون غربة عن الماضي الذي ينقضي بحسرة أو دون حسرة. إنما الأكثر أن تكون الغربة تعبيراً عن العجز عن التلاؤم مع المجتمع الغربي الأوروبي أو الأميركي. وهناك أخيراً غربة الواقعية السحرية، وهي فنية، كما في رواية أمين معلوف الأخيرة: إخوتنا الغرباء. ومن النوعين الأول والثاني كتاب ميسون صقر القاسمي عن مقهى ريش، وقد حصل على جائزة الشيخ زايد في الآداب، وهو ليس رواية بالمعنى المألوف بل هو تحقيق استقصائي، يشبه الرواية التاريخية في إبراز الانقضاء. وكذلك رواية الليبي التي حصلت على جائزة البوكر العربية، وإن تكن مختلفة في الأسلوب والأهداف وفيها ظلالٌ من أسى شفيف، كما يقول بدر شاكر السياب في «أنشودة المطر».
لا أقصد استعراض ثقافتي الروائية. لكنني أريد التركيز على الغربة من النوع الثالث إذا صحَّ التعبير. الغرباء عن مجتمعات العولمة في الروايات العربية المعاصرة أُناسٌ نجحوا في المجتمعات المزدهرة في الجامعات أو في الفنون أو في الإبداع العلمي وفي الظاهر: نجحوا أيضاً في العلاقات الإنسانية. ثم تحدث لهم سواء أكانوا نساءً أو رجالاً «أزمة منتصف العمر» كما يقال، فيقررون ترك كل شيءٍ وراءهم والعودة إلى مواطنهم (العربية) الأصلية. وهم عندما يعودون فليس لأنهم يريدون إفادة مجتمعاتهم مما حصّلوه، أو بحثاً عن تلاؤمٍ إنساني أكبر، على العكس هم يائسون من إمكانات التغيير في المَواطن التي أتوا منها في الأصل. هم غير سعداء في الغرب، وغير سعداء في الشرق (العربي)؛ بل هم يهربون من ضياعٍ إلى ضياع!
لقد عرف الأدب الروائي العربي فيما بين الخمسينات والسبعينات من القرن الماضي «قضية» العودة من الغربة. لكنها كانت عودة لأحد سببين: الفشل في الخارج، أو إرادة العودة من أجل التغيير. هي ليست عودة مثل عودة سهيل إدريس لأنّ الغرب غرب والشرق شرق، كما أنها ليست عودة من أجل التغيير مثل «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي. هي لا تشبه «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، وأحرى أن تشبه: العودة إلى المنفى لأبو المعاطي أبو النجا!
فلنمض في تطوير السؤال وتشعيبه. عندما نقرأ لأستاذٍ عربي عودة إلى الفلسفة وعرض رؤى أُخرى للعالم المعاصر، نعرف أنّ الأستاذ يكتب لمثقفين مثله، ويبحث عن توسيع الآفاق. وبالطبع فإنّ التأويليات ورؤى الوجود وأبعاد إنسانية الإنسان لن يقرأها الجمهور وقد لا يقرأها الشباب، وإن زعمتُ أنّ انشغال الكهول في السعودية وعُمان في مؤتمرين فلسفيين هو انفتاحٌ شبابي. الانفتاح الشبابي رأيتُه في معرضَي الشارقة وأبوظبي في الإقبال على روايات الغربة والغرابة. وعندما تسأل يتهرب البعض بابتسامة غامضة، بينما يشير البعض الآخر إلى الظروف. وقد قلتُ لأحدهم: لكنك ناجحٌ في عملك بكل المقاييس، ثم تكتب أو تقرأ رواية لا تبعث على الأمل أو الرجاء!
قال لي شابٌ (يعني تحت الأربعين) نشر روايتين، يبرز الإحساس بالغربة والعجز عن التلاؤم في إحداهما: هي حيرة جيلية، فقد قضيتُ بين إنجلترا وأميركا تسع سنواتٍ ولم أستطع التعلقَ فعدتُ، وقد ذكرتَ رواية «العودة إلى المنفى» وهي ذات بُعد تاريخي وكان بطلها مضطراً، أما أنا فإذا عدتُ فستكون عودة إلى «المنفى» وأنا أشعر بالخيبة هنا لكنني لا أُريد العودة للمنفى. وأنت تبحث عن آثارٍ مكتوبة لهذه الحيرة الجيلية التي تظنها عربية، وعندي شواهد على وجودها لدى شعوبٍ وأُمم أُخرى، لكنني أعترف أنها عندنا أبرز نحن العرب، وأكبر حتى منها لدى شباب شعوبٍ إسلامية أُخرى. ويتحدث زملاء لك عن خروج الأجيال الشابة على الدين. لكنّ معظم الزملاء الذين عادوا كما عدتُ يبحثون عن «السكينة» في الدين. ثم هل تظنُّ أن الهارب الفلسطيني أو السوري أو التونسي يملك مثلنا رفاهية القرف من الغرب والشرق؟! كم كان كولن ويلسون متواضعاً ومعتدلاً عندما كتب عن «اللامنتمي». لقد كانوا أفراداً في عصر الآيديولوجيا، وقد ذهب ذلك العصر إلى غير رجعة، ما أحلى الآيديولوجيا أياً كان نوعها، مقارنة بما نحن فيه!
ما أزال أبحث مستميتاً عن أسبابٍ غير مادية أو وطنية للتأزم «الروائي» العربي. وقد ذهب محدِثي إلى أنها حيرة جيلية، فحسبت أنّ في ذلك إجابة عن سؤال الغربة في الرواية. بيد أنّ التهرب من الإجابات ذات الشبهة الماركسية أو القومية لا يمكن أنّ يكونَ بلا نهاية. فهناك سبع دولٍ عربية يشيع فيها الاضطراب منذ زمن. بينما تجتاح التأزمات دولاً عربية أُخرى. فالمشكلة الوطنية، أو عدم نجاح تجربة الدولة الوطنية في العالم العربي هو عبءٌ كبيرٌ في وعي وواقع الشبان والكهول المتعلمين، الذين لا يعتبرون أنّ العثور على فرصة عملٍ في الخارج يشكّل حلاً للإشكالية الوطنية؛ وإلا فما معنى الهوية والانتماء، وأن يكون لك مستقرٌّ تطمئنُّ فيه وإليه في هذا العالم المضطرب من حولك. إنّ الكهل العربي الذي يجد موطئ قدمٍ في بريطانيا أو أميركا؛ سيظل يسائل نفسه عن فلسطين وسوريا ولبنان. فالنجاح الفردي لا يعوّض الافتقاد الوطني، وستظلُّ الغربة هاجسه حيثما حلّ.
وفي النهاية كما في البداية: الإحساس بالغربة في الرواية العربية الجديدة هو تعبيرٌ عن ماذا؟ عن سؤال الوجود الوطني والإنساني أم هي الحيرة الجيلية لدى كل الشباب؟ وماذا يفعل الغريب في وطنه أو في الخارج عندما لا يستطيع ممارسة «التطهير» بكتابة الرواية؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غربة العرب في روايات العرب غربة العرب في روايات العرب



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt