توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم ضجرت النكتة

  مصر اليوم -

يوم ضجرت النكتة

بقلم :تمارا الرفاعي

فى بلدنا وزارة للنكات، فعلا هناك وزارة تعمل على ترويج قصص أو بدايات قصص يمكن استعمالها من قبل الشعب للضحك والدعابة. هناك قسم يدرس المناخ العام فى البلد ويحلل مستوى الرضا والقلق والغضب ويعطى مؤشرات على قابلية الغضب والاحتجاج. هناك قسم يعتمد على هذه الدراسات ليقترح مضمون أو مادة أولية تخضع طبعا لقبول الوزير قبل أن تذهب إلى قسم الإبداع فى الوزارة، حيث يعمل الفريق هناك على تحويل المادة إلى محتوى عالى الجودة من قصص ونكات وتعابير هزلية يسلمها إلى قسم الترويج الذى ينطلق فى فضاء المدن بدءا بالمناطق البعيدة عن مركز العاصمة، حيث يتم تقييم وقع القصة أو النكتة وقد يتم تغيير بعض التفاصيل قبل استمرار نشرها فى البلد حتى تصل إلى العاصمة، حيث مركز الحكم.
***
هناك استنفار عام فى صفوف العاملين فى الوزارة فى هذه الفترة، بعد أن وصلتهم تعاليم صارمة لا تتماشى مع اسم الوزارة أصلا بالعمل ليلا نهارا من أجل تغيير المناخ. وهنا المناخ يعنى المزاج العام، أو بشكل أوضح، تعديل المزاج العام بحيث يطغى الرضا على أى شعور آخر. ينهمك رؤساء الأقسام بتشكيل خلية أزمة مكونة منهم، طبعا فهم رؤساء الأقسام. يوزعون العمل فيما بينهم ويوزعون التعليمات كل ضمن قسمه، متعمدين أن يبثوا شعورا بقربهم من الخطر. هم يعرفون أن شعور الخطر يولد الإبداع، فمن ذا الذى سوف يسمح بالخطر بأن يمسه؟ ألن يلجأ الموظفون إلى أبعد ما فى أذهانهم من أساليب لحماية أنفسهم؟
***
تتحول الوزارة إلى خلية نحل حتى يكاد من فيها أن يسمع ززززززززززززززز وهو صوت النحل فى أعلى إنتاجيته. يخيم حرف الزاء المتكرر إذا على الوزارة فيخشى الوزير أن يفضح الصوت مكانها. هى وزارة مخفية عن العيون، لا يراها الشعب، وهذا أهم بند أصرت عليه القيادات العليا عند إنشاء الوزارة: يجب ألا يعرف بوجودها أحد! فنحن بلاد معروفة بخفة دم شعوبنا وقدرتهم المهولة على تحويل أى مأساة إلى نكتة. نحن شعوب روحها خفيفة بالفطرة، وإلا فكيف كنا سنواجه ثقل الحياة من حولنا والشعور أن ثمة من يتقصد دفعنا إلى سفح الجبل فى كل مرة نقترب فيها من القمة؟
***
تنشغل الوزارة من الداخل بالبحث عن أجوبة، وينشغل حراسها من الخارج بإخفائها عن العيون. مستوى التوتر عال، ومستوى الإنتاج منخفض. ابحث عن الخطأ، فالمفروض أن ينتج من يشعر بالتوتر أفكارا جديدة، أو ليس القلق من أفضل مكونات الإبداع؟ هل كتب أحدهم أى نص فاز بجوائز وهو، أى الكاتب، يعيش بترف؟ هل تمكن أى موسيقى من إنتاج سيمفونية عالمية بعد أن تخيلها فى بلد مترف جلس فيه فى غرفة معيشة أمام مزهرية؟
***
يحتار رؤساء الأقسام فيما بينهم، لا أفكار جديدة ولا قصص مضحكة ولا مواقف كوميدية فى جعبتهم رغم ضغطهم على الموظفين. ها هم يقفون جيوبهم خالية من الضحك. لم يبق فى المدينة أى مزاح. يحاول الموظفون مرات ومرات، خلية الأزمة مستنفرة، التعليمات تزداد صرامة وتكلفة من يتخلف عن الإبداع أصبحت باهظة. كل هذا وما زالت الجعبة خالية. يتغير موظفو الأقسام بقرارات سريعة من الرؤساء، هم بحاجة إلى دم جديد وعقول جديدة غير تلك التى تنتج النكات منذ سنوات. تأتى فرق جديدة شبابية إلى المكان بمصطلحات لا يستسيغها رؤساء الأقسام رغم تأكيد الشباب أنها من وحى الشارع والأجيال الجديدة. لكن يصعب على رؤساء الأقسام تقبل هذه المصطلحات والأفكار حيث إنها تتنافى بشدة مع المفاهيم العامة التى لطالما تقبلها الشعب، خصوصا الطبقات الوسطى منه والتى يجب الحفاظ على أخلاقياتها وثقافتها.
***
حسنا، لنخرج الشباب الطائش من الصفوف ونعيد موظفينا الرصينين ونحاول من جديد. أين النكتة يا جماعة؟ من غير المعقول ألا نعرض شيئا على معالى الوزير! موعد الاجتماع غدا، ما هو اقتراح خلية الأزمة؟
***
يتصدر وزير النكات المشهد فيجلس على رأس طاولة اجتماعات ضخمة ينظر إلى الشاشة أمامه. هو ينتظر أن يعرض عليه المدير العام فكرة الموسم ليوافق عليها ويتم تعميمها على الشعب دون أن يعرف الشعب أنها نكتة مسبقة الصنع والتعليب فى الوزارة. يتوقف الجميع عن الكلام استعدادا لما سيظهر على الشاشة. تظهر الفكرة، يقرأها الوزير ويحبس من فى الغرفة أنفاسهم. تمر الثوانى ببطء حتى يبدو وكأن الهواء نفسه قد هرب من القاعة. ثم يضحك الوزير وتعلو قهقهته حتى يهيئ لمن حوله أنه سيقع من على الكرسى.
***
«مرة كان فى شعوب خفيفة الظل وحاضرة البديهة وسريعة النكتة، من كثرة الهموم النكتة هربت منهم وقالت التوبة من دى النوبة أرجع لكم من تانى».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم ضجرت النكتة يوم ضجرت النكتة



GMT 05:26 2022 الأربعاء ,17 آب / أغسطس

حول التعديل الوزارى

GMT 19:15 2022 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

هل بقيت جمهوريّة لبنانيّة... كي يُنتخب رئيس لها!

GMT 02:24 2022 الخميس ,09 حزيران / يونيو

لستُ وحيدةً.. لدىّ مكتبة!

GMT 19:37 2022 الأحد ,05 حزيران / يونيو

البنات أجمل الكائنات.. ولكن..

GMT 01:41 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

سببان لغياب التغيير في لبنان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt