توقيت القاهرة المحلي 05:45:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"زواج البركة"

  مصر اليوم -

زواج البركة

بقلم: جيهان فوزى

«الحاجة أم الاختراع»، مثل عربى قديم ينطبق عليه الحال الذى وصل إليه الوضع الاقتصادى والاجتماعى فى قطاع غزة، منذ فرضت عليه العزلة القسرية والحصار السياسى والاقتصادى والحروب الإسرائيلية المتتالية التى قضت على ما تبقى من أحلام قاطنيه. منذ سنوات تعدت العقد يحاول سكان غزة التكيف مع الأوضاع المعيشية الصعبة التى تنتهك كرامتهم وإنسانيتهم، شح الموارد وضعف الدخول وقلة فرص العمل أوصلت المجتمع إلى حالة مؤلمة من الإحباط واليأس وتراكم الديون، وزاد عليهم الصراع المدمر بين سلطة حماس وسلطة رام الله وتفاقم الأزمة بينهما بعد أن قرر الرئيس محمود عباس معاقبة سكان القطاع وخصم ثلث رواتب موظفيه بسبب قبوله بحكم حماس! ورغم المعاناة القاسية والفقر الشديد الذى أنهك المجتمع الغزاوى ونال من كرامة وكبرياء شبابه الذى فقد الأمل فى مستقبل أفضل، فآثر الهجرة على الاستمرار فى أوضاع سياسية واقتصادية لم يعد من الممكن احتمالها، إلا أن العديد من المبادرات الفردية لإنقاذ التكافل الاجتماعى والتضامن الإنسانى بين السكان، كانت تجد الصدى والقبول، مثل مبادرة «فك الغارمين» التى تبناها الكاتب والدكتور فهمى شراب، وهدفها تقليل المعاناة لصالح المواطنين فكان صاحب أول فكرة لفك أسر الغارمين من السجون الذين لم يستطيعوا سداد ديونهم، فى الوقت الذى أشارت فيه الإحصائيات إلى زيادة نسبة الفقر فى قطاع غزة إلى 54%، بالإضافة لعدد العاطلين عن العمل إلى 300 ألف عاطل، ولاقت المبادرة الترحيب والتعاطف المجتمعى، وتمكن من خلال تلك المبادرة الفردية من الإفراج عن (30-50) شخصاً يومياً بإجمالى أكثر من 1500 غارم فى قطاع غزّة.

ولم تقتصر المبادرة على الرجال فحسب، لكنها تمكنت من الإفراج عن قرابة 50 امرأة غارمة لم تتمكن من تسديد ديونها المالية المستحقة عليها بسبب الظروف المعيشية الصعبة التى يعانى منها سكان القطاع.

ومن قبلها ساهم تاجران فى إنجاح حملة أطلقا عليها اسم «سامح تؤجر» لفك أزمة ديون التجار وإنقاذهم من الإفلاس، بالإضافة إلى التخفيف من الأعباء عن المواطنين غير القادرين على الوفاء بديونهم، وسرعان ما لاقت الحملة القبول والمؤازرة بين الناس والنشطاء الذين شاركوا فى إنجاح الحملة، فانتشرت على نطاق واسع لتشمل من تراكمت عليهم الديون والالتزامات وضاقت بهم سبل العيش الكريم.

ومنذ ثلاثة أيام أطلق أستاذ علم الأحياء والبيولوجيا «محمود كلخ» مبادرة «زواج البركة» فوجدت صدى وجدلاً كبيرين فى المجتمع الغزاوى نظراً لجرأتها وخروجها عن التقاليد، رفعت المبادرة شعار «بنات الغلابة لأولاد الغلابة»، وينص «زواج البركة» على أن يكون المهر ألف دينار أردنى (20 ألف جنيه تقريباً) والسكن عبارة عن غرفة فى منزل عائلة الزوج وغرفة نوم لا تتجاوز الألف شيكل (5000 جنيه) وذلك عكس المتعارف عليه فى العرف الغزاوى.

ففى الماضى كان الزواج فى غزة مكلفاً للشاب وأسرته ومغالى فيه، أما وفى ظل الظروف البائسة التى يتعرض لها الشباب والفتيات الآن وهجرة البعض هرباً من الفقر فى محاولة لتكوين مستقبلهم، وانتشار البعض الآخر فى الطرقات يتجولون وجيوبهم فارغة وقد وصلت أعمارهم الثلاثين ويزيد، لأن سنوات الانقسام سرقت أعمارهم والعمر لا يعوض بثمن، فقد شعر «كلخ»، صاحب المبادرة، بأهميتها للمجتمع، وحل مُشجع لمشكلة الشباب الذى أصبح على أعتاب الضياع فى ظل تضاؤل الأمل فى رأب الانقسام وتحسن الأوضاع الاقتصادية.

ازدياد حالات الطلاق والانهيار الأسرى يرجعه صاحب المبادرة لتراكم الديون على المتزوج بسبب ارتفاع المهور التى تتراوح بين (5000-6000) دينار، ما يعادل (100 -120 ألف جنيه)، فمن حاول الإيفاء بالتزامات الزواج استدان ليكملها وهو لا يعرف كيف سيقوم بسدادها، ومن هنا تنشأ المشاكل والأزمات وصولاً إلى الطلاق.

إنها الحاجة التى تصنع الأفكار الخلاقة، والفكرة التى لم تكن مستأنسة بالأمس بسبب الأعراف والتقاليد، أصبحت مثار إعجاب وترحيب اليوم، ففى ظل الحاجة والأزمات الاقتصادية تتلاشى الكثير من العادات والتقاليد والمظاهر الخداعة المرهقة مادياً ونفسياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زواج البركة زواج البركة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 00:31 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة
  مصر اليوم - أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة

GMT 14:26 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 00:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الكويت يتأهل إلى نهائي كأس ولي العهد بهدف قاتل على النصر

GMT 21:03 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

أياكس أمستردام يضم مدافع منتخب الأرجنتين

GMT 12:23 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

"جبل الصايرة البيضاء" موقع سياحي مهجور رغم إمكاناته الكبيرة

GMT 11:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طوارئ في مطار القاهرة استعدادًا للتفتيش الأمنى الأميركي

GMT 19:40 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث أشجار الأمازون ونصف أنواعها مهددة بالإندثار

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

يرقة الفراشة اليابانية تتحول إلى براز لتحمي نفسها من الطيور

GMT 04:24 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

دعاء اليوم الرابع عشر من رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon