توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يفعلها الرئيس بايدن... دولة فلسطينية؟

  مصر اليوم -

هل يفعلها الرئيس بايدن دولة فلسطينية

بقلم - حسن أبوطالب

الحروب الكبيرة مفتاح التحولات الكبيرة. ما يجري في قطاع غزة وجبهات أخرى خارجه، يُعد بشكل أو بأخر مثالاً على حرب كبيرة، بين دولة إقليمية مدعومة من القوة الكبرى في النظام الدولي وحلفاء كثيرين، في مواجهة منظمات مسلحة تؤمن بالحق المطلق في مقاومة الاحتلال. وعلى الرغم من فارق القوة بين أطراف معادلة الصراع، فالحرب ولمدة أكثر من 110 أيام متواصلة تجعلها حرباً كبيرة، لا بد أن تفضي إلى تغيرات كبرى. والمعضلة تكمن في تحديد اتجاه هذه التغيرات، وإلى أي مدى ستؤدي إلى شرق أوسط جديد في تفاعلاته وفي مساراته.

طوال أيام الحرب والعدوان الإسرائيلي، وعلى الرغم من الضغوط الآتية من اتجاهات مختلفة لوقف إطلاق النار، وإتاحة الفرصة لمعالجة إشكاليات تبادل الأسرى وبدء مرحلة جديدة في غزة من حيث تأمين متطلبات الحياة للأهالي وطبيعة الإدارة الجديدة والإعمار، وما قد يليها من عملية سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما زالت الولايات المتحدة تؤمن بأن الوقت لم يَحنْ بعد لوقف إطلاق نار كامل، لكنها لأسباب مختلفة، منها ما هو داخلي يؤثر في مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومنها ما هو دولي وإقليمي لا سيما مظاهر التوسع في الصراع التي تنذر بانفجارات غير محسوبة، بدأت تتحدث عن عملية شاملة تؤدي إلى تغيرات كبرى، تمزج بين حل الدولتين كما يشترط العرب، وبين أمن الدولة العبرية من جانب واندماجها في المحيطين العربي والشرق أوسطي عبر منهجية تطبيع محددة من جانب آخر.

المحادثة الهاتفية بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أربعة أيام، والتي لخّصها الرئيس الأميركي في جملة ذات دلالة مفادها أن حل الدولتين في ظل وجود نتنياهو ليس مستحيلاً، مضيفاً بأن هناك أنماطاً من الدول ليس لديها جيوش، ومن قبل حديث بلينكن في «دافوس» حول أهمية حل الدولتين لأمن إسرائيل، ما يوحي، وإن لم يكن الأمر موثوقاً تماماً، بأن البيت الأبيض نجح في تغيير قناعة رئيس وزراء إسرائيل الرافض تلك الفكرة مبدئياً، بقبول حل الدولتين، إحداهما تملك كل مقومات القوة العسكرية، وأخرى لا تملك منها شيئاً، وبالتالي يتحقق امن إسرائيل الموعود، والذي يتجذر أكثر وأكثر وفق المؤشرات الأميركية الجديدة نسبياً، من خلال دمجها إقليمياً عبر عملية تطبيع كبرى مع الدول العربية، وليس بالضرورة أن تشمل الجميع، بل يكفي رموز عربية ذات وزن سياسي ومعنوي كبير ومؤثر، يفتح الباب أمام عملية موسعة لإعمار غزة، بمشاركة عربية وأوروبية، دون مسؤولية على من تسبّب في دمار القطاع وتخريبه ومأساة أهله.

والمؤكد هنا أن الرئيس بايدن يواجه إشكاليات كبرى، لا سيما توجهات الأجيال الشابة الجامعية الغاضبة، والتي تفضح يومياً الانتهاكات الإسرائيلية وتغوص في مأساة أهل غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك في نطاق حزبه الديمقراطي الرافض سياسة الدعم غير المشروط لإسرائيل، وكلا السببين دفعا الرئيس بايدن للتركيز على معادلة جديدة قديمة، تتضمن تقديم إسرائيل بعض التنازلات بشأن الدولة الفلسطينية، نظير الاندماج في الإقليم. ومن ثم احتواء تداعيات أي قرارات قد تصدر عن محكمة العدل الدولية ضد دولة إسرائيل، أو المحكمة الجنائية الدولية مستقبلاً ضد قيادات الحرب الإسرائيلية.

تحولات البيت الأبيض جاءت متدرجة، بدأت بالضغط لتغيير «التكتيكات» الحربية الإسرائيلية التي تؤدي إلى قتل المدنيين بعشوائية مفرطة، قادت إلى التفكير في الخروج من أزمة غزة بتحقيق أهداف أبعد من مجرد القضاء على «حماس» ومثيلاتها، وبناء حالة جيو - سياسية مختلفة عما كان عليه الإقليم قبل الحرب، وتُعيد بناء معادلات جديدة تحقق أمن إسرائيل، وتحتوي أسباب الامتناع الإقليمي ولو جزئياً عن قبولها كدولة شأن غيرها في الإقليم.

الرهان الأميركي الأكبر هو التطبيع غير المقيد، ولو بتدرج قائم على فرضية سياسية شديدة الاضطراب، مفادها أن جائزة التطبيع سوف تحاصر اليمين الإسرائيلي، وسوف تدفع رموز الاعتدال إلى البروز مرة أخرى؛ مما يضعف أي معارضة لحل الدولتين. ونقطة الضعف الرئيسية هنا تكمن في أن المجتمع الإسرائيلي بات يمينياً للنخاع، شديد الميل إلى العنف ضد كل ما هو فلسطيني، مُحملاً بأوهام القوة التي لا تقهر، عاجزاً عن إدراك الكارثة الإنسانية التي وصل إليها قطاع غزة، وغارقاً في حالة انفصام شخصية بين امتلاك قوة عسكرية جبارة لم تردع حركة مقاومة مسلحة محدودة العدد والتسليح، ولم تسقط بعد كل الضربات التي وجّهت إليها، مُشبعاً برغبة غير مسبوقة في الانتقام بلا حدود لتجاوز حالة العجز عن تحقيق الأهداف المُعلنة. فضلاً عن الغياب الكامل لأي صوت عقلاني مؤثر ينادي بمراجعة أسباب العجز رغم القوة، وغالباً إن وجد فلن يجد سوى حفنة محدودة قد تتجاوب معه وتقدّر ما ينادي به.

هذه الحالة غير المسبوقة في الميل إلى العنف نخبة ومجتمعاً، لم تكن لتصل إلى هذه الدرجة المَرضية الجماعية إلا نتيجة الموقفين الأميركي والأوروبي، سياسياً ودعائياً وإعلامياً وتأييد ما وصُف بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وإعطائها صك البراءة مسبقاً من كل الانتهاكات التي تحدث في القطاع بشراً وحجراً، والتجاهل التام لكل مفردات حقوق الإنسان، والدفاع غير المبرر عن استمرار العدوان ورفض وقف إطلاق النار، بحجة أنه قد يفيد «حماس» وحسب، وتجاهل الأبعاد الإنسانية الأخرى للشعب الفلسطيني، وهي كلها عوامل أسهمت في تصاعد درجة العنف والانتقام في السلوك الإسرائيلي في غزة وفي الضفة معاً. ولا ننسَ مناهج التعليم الإسرائيلية التي تولّد العنصرية ورفض الآخر الفلسطيني في نفوس الإسرائيليين منذ الصغر، ويتجاهلها الغرب تماماً.

حالة المجتمع الإسرائيلي في حاجة ماسة إلى ما يشبه الثورة السلوكية والقيمية، والانقلاب على حالة هوس الانتقام دون رادع، إلى حالة رشادة وعقلانية سياسية تؤمن بأن الحق في الأمن هو لكل الأطراف وفي المقدمة الفلسطينيون، وتلك بدورها في حاجة إلى وقت وجهد إن لم تمنحه الولايات المتحدة حقه في الاهتمام وفق استراتيجية تغيير السلوك القومي، كالتي اتبعتها في حالتي ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فمن المتعذر أن نرى طموح البيت الأبيض في دولة فلسطينية إلى جانب الكيان العبري ماثلاً أمام الأعين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يفعلها الرئيس بايدن دولة فلسطينية هل يفعلها الرئيس بايدن دولة فلسطينية



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt