توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما يختفي الداخل

  مصر اليوم -

عندما يختفي الداخل

بقلم: مأمون فندي

ربما كانَ اختفاءُ الخارج هو الفكرةَ المعهودة في زمن العولمة، انكماش في الزمان أعطى إحساساً بقرب المكان فخلق حالة القرية الكونية، كانَ العالم كإطار السَّيارة في نسخته القديمة الذي يحوي أنبوبة داخلية تملأ بالهواء وإطاراً خارجياً خشناً يتحمل أعباء الطريق، ثم ظهرت فكرة الإطار المفرغ الذي لا يحتاج إلى أنبوبة داخلية، فأصبح الكل داخلياً وخارجياً في آن. اختفى الداخل، وكذلك تغيَّرت فكرة الخارج، فبدلاً من السفر إلى الخارج جاء الخارج إلينا. إلى هنا والأمر يكاد يكون واضحاً ومفهوماً، ولكنني هنا أطرح فكرة اختفاء الداخل بشكل مختلف.
اليوم نرى العالم من خلال نوافذ يطل بها الناس على بعضهم بعضاً من خلال الشاشات المختلفة التي تحمل إلينا عالماً افتراضياً، كله خارج فقط ومفرغ من الداخل، لا نعرف شيئاً عمن يحدثنا إلا ما هو معروض على الخلفية الخضراء التي تظهر عليها خلفيات افتراضية، ليس بداخلها شيء.
هذا الواقع الافتراضي الجديد والشبابيك المطلة على كل شيء وليس خلفها أي شيء، ومن دون دواخل لها تبعات على المجتمعات والدول والأفراد، إذن لا يمكن أن نتحدث عن مجتمع إلا عندما ينزل هؤلاء من الشبابيك والتواصل على أرض الواقع، وبناء مجتمعاتهم على أساس قيم تعمل على الأرض وليس على الشاشات الزرقاء.
إذا كانت السياسة والاجتماع في الأصل تنطلق من المحلية، فلا يمكن بناء مجتمعات تعتمد على شبابيك تطل على خارج متخيل ومن دون داخل حقيقي يتفاعل فيه الناس على الأرض، معبرين عن آمالهم وآلامهم والبحث عن حلول لمشكلات حقيقية لا مشكلات العالم الافتراضى المتخيل.
ظاهرة الشبابيك المطلة على شوارع الوهم الخارجي تكاد تجتاح منطقتنا العربية وتفترس ما تبقى من قيم.
ظاهرة موت الداخل في الغرب، جاءت في مجتمعات تدرَّجت في الانتقال من عالم الشفاهة لتمكث أكثر من ثلاثة أو أربعة قرون في عالم الكتابة، ثم قرن ونصف القرن في عالم الطباعة، ونصف قرن أو أقل قليلاً في عالم السوفت وير والشاشات، وتراكمت خبرات كثيرة نتيجة لهذا التدرج في رؤية الخارج وعلاقته بالداخل.
أما عندنا، فقبل أن نتمكن من الطباعة على ما كان يسمى الآلة الكاتبة، عاد بنا الترانزستور والتلفزيون إلى العالم الشفوي مرة أخرى، أي تضاعف عالم الشفاهة الذي هربنا منه قليلاً من خلال الطباعة والكتابة، ولم نبقَ كثيراً في هذا العالم حتى هجمت علينا الشبابيك الافتراضية بحدود الإطلال منها في 140 حرفاً في «تويتر» أو صورة في «إنستغرام» أو بوست في «فيسبوك»، شبابيك أخذتنا إلى خليط من الشفاهة والكتابة التي لم نتمكن من إتقان أي منهما.
تركنا الداخل وفرغناه تماماً من مضمونه من أجل خارج افتراضي ظنناه يمثل مجتمعاتنا.
مجتمعاتنا ليست هي فراغ الشبابيك وما تطل عليه من وهم، مجتمعاتنا في معظمها وباستثناءات قليلة يعيش الناس فيها تحت خط الفقر العالمي، ونسبة التعليم الجيد فيها تكاد تكون في ذيل قائمة دول العالم وكذلك جامعاتنا، ومع ذلك يصرُّ كثير منا على أننا لسنا أقل تقدماً من أميركا، ومن حقنا أن ننتقد ما حدث من تزوير في انتخاباتها الرئاسية، وذلك لأننا فقط نطل من الشبابيك الافتراضية على الخارج غير معترفين بالداخل الذي اختفى أو أخفيناه، لأنه ليس به من علامات تسمح بنا بنقد الديمقراطيات العريقة.
إن أزمة اختفاء الداخل التي نعاني منها تحتاج إلى نقاش طويل لأنَّنا لسنا طرفاً في معادلة الخارج الوهمي الذي نعيشه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يختفي الداخل عندما يختفي الداخل



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك

GMT 09:42 2020 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك 4 مخاطر للنوم بعد تناول الطعام مباشرة عليك معرفتها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon