توقيت القاهرة المحلي 13:56:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رصاصة في رأس مَن؟

  مصر اليوم -

رصاصة في رأس مَن

بقلم - مأمون فندي

المشهد المهيب الذي لفَّ فلسطين والعالم نتيجة إطلاق رصاصة على رأس مراسلة «الجزيرة» الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة، فتح رمزيات أوسع وأكبر تطرح سؤالاً: في رأس مَن سكنت تلك الرصاصة؟
بدايةً، سكنت في رؤوس الإسرائيليين أنفسهم، إذ فضحت شيرين في نعشها وحشية نظام عنصري، وأمام شاشات العالم كله رأى المشاهدون همجية إسرائيل التي أنكرت على الفلسطينيين لحظة وداع حزين لابنتهم، التي أصبحت رمزاً لكل آلامهم. ظهر الإسرائيليون في صورتهم الحقيقية بدمويتها وبُعدها عن أي شيء له علاقة بمعاني الحضارة وقيمها. لا أدري مَن في الغرب اليوم يمكنه أن يتجاهل همجية الجيش الإسرائيلي وهو يُقلق روحاً في نعشها بكل ما رأيناه من وحشية. الرصاصة سكنت في رأس إسرائيل، نظاماً وشعباً وديمقراطية مدّعاة وكاذبة.
سكنت الرصاصة أيضاً في رأس إدارة بايدن التي لم تفزع لمواطنة أميركية، فقط لأن الجاني هو الإسرائيلي القابض على تلابيب رقبة الإدارة مرة بأموال اللوبي الإسرائيلي، ومرة بالابتزاز القائل إن أي نقد لوحشية إسرائيل يصنَّف على أنه ضد السامية. الرصاصة سكنت في قلب الديمقراطية الأميركية وقيمها الخاصة بحرية التعبير وحرية الصحافة. سكنت الرصاصة في رأس التعديل الأول للدستور الأميركي الذي أنكر على مواطنة أميركية حريتها في التعبير وحريتها كصحافية. الرصاصة لم تسكن في رأس شيرين وحدها إذن.
تصريح الاتحاد الأوروبي الخجول يؤكد أن الرصاصة أيضاً اخترقت رأس أوروبا وعقلها، أوروبا سجينة الإحساس بالذنب لما حدث لليهود فيها، رأسها مخترَق برصاصة تجعلها لا تفرِّق بين همجية الجيش الإسرائيلي تجاه امرأة ميتة في تابوت، في طريقها إلى مثواها الأخير، وبين ذنب أوروبا لما قامت به ضد اليهود منذ أكثر من سبعة عقود مضت.
أما بريطانيا التي وعدت اليهود بوطن في فلسطين فلا يُرجَى منها الكثير، حتى وزيرة داخليتها فهي أكثر تطرفاً من المستوطنين الإسرائيليين فيما يخص فلسطين. الرصاصة وُجِّهت إلى كثير من الرؤوس.
أما عربياً، فقد اخترقت الرصاصة القلوب على مستوى الشعوب المكلومة دوماً، والتي لا تعرف إلا فن الرثاء والجنازات من كثرة الحزن والمآسي، رصاصة عمّقت شعورنا بالعقم وعدم القدرة وجعلت عجزنا واضحاً كشمس الظهيرة.
الرصاصة الإسرائيلية وُجّهت إلى كثير من الرؤوس وكشفت عورات كثيرة أولاها عورة الاحتلال البشع، وسلوك جنوده البدائي المفرغ من أي مضمون إنساني.
أما شيرين فقد وصلت بسلام إلى مثواها الأخير، بلغت خط النهاية بزفة وطنية لم تعهدها فلسطين من قبل، شيرين بمفردها وإنسانيتها ومهنيتها هزمت الاحتلال بالضربة القاضية، وردّت إليه الرصاصة بقوة أشد ستبقى عاراً يطارد نظاماً يدّعي الديمقراطية وبدت وحشيته واضحة للعالم أجمع. نظام عنصري يقتل الأحياء ويطارد الموتى حتى المدافن.
شيرين كشفت في عيون الفلسطينيين عمق المأساة، ولون الحقيقة ومعنى الوطن.
الرمزيات من المرأة إلى النعش الذي كاد يهوي كما السهم تحت عنف المحتل، فقط تتشبث به سواعد فتية آمنوا بربهم وبرموز قضيتهم، رمزيات المشهد الجنائزي حرَّكت في العالم العربي الكثير ورمزيات الهمجية الإسرائيلية حرَّكت في العالم ما هو أكثر.
شيرين كشفت فظائع الاحتلال وهي حيّة، من خلال تقاريرها التلفزيونية، وكشفت وحشيته وهي في تابوتها كأنها حتى آخر لحظة قبل الدفن تقول: «كانت معكم شيرين أبو عاقلة من فلسطين المحتلة»، ولكن هذه المرة لم تكن ترسل تقريراً إلى محطتها، بل إلى تلفزيونات العالم كله.
ومع ذلك يبقى هناك أمر يجب تناوله، وهو أن مقتل شيرين لم يكن بقرار جندي يحمل بندقية ذات تليسكوب ليحدد هدفه بوضوح، المتابع يعرف أن هناك قراراً من أعلى بقتل صحافي أو اثنين بهدف تخويف الإعلام كله شرقيّه وغربيّه، من تغطية عملية كبيرة لاجتياح الضفة كلها. إسرائيل تدرك أن العالم مشغول بالحرب في أوكرانيا وتلك فرصتها لتصفية القضية وتصفية السلطة. شيرين بموتها ربما أنقذت السلطة والضفة، أو ربما تلك هي بداية حرب أوسع في فلسطين وربما الجوار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رصاصة في رأس مَن رصاصة في رأس مَن



GMT 00:01 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير

GMT 21:30 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

المعايير الأمريكية بين غزة والسودان

GMT 00:01 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الصواريخ بين الأدب والسياسة!

GMT 21:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

تجديد النخبة

GMT 00:01 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

العقاد يبيع مكتبته

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
  مصر اليوم - فولكس واغن أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 00:48 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

محمد رمضان يتصدر مؤشرات محرك البحث "غوغل"

GMT 23:26 2020 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

السنغال تُسجل 21 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 11:27 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

مجلة دبلوماسية تهدى درع تكريم لسارة السهيل

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

خطوات تضمن لكٍ الحصول على بشرة صافية خالية من الشعر

GMT 16:39 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الحكومة المصرية تحصل على منح بـ 635 مليون جنيه

GMT 05:48 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

جوني ديب يقرر الزواج من راقصة روسية

GMT 13:34 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي لدول المتوسط يصنّف الأفضل لعام 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon