توقيت القاهرة المحلي 10:21:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وريث التنين

  مصر اليوم -

وريث التنين

بقلم: داليا شمس

ظهر على جانب شاشة الكمبيوتر إعلانا لخدمة سياحية تقدم لسعداء الحظ بمناسبة احتفالات الهالويين التي انتشرت في دول كثيرة تحت تأثير العولمة، والتي تقام ليلة 31 أكتوبر من كل عام على النمط الأمريكي بعيدا كل البعد عن الطقس الديني، وذلك بالتنكر في هيئة كائنات وأشخاص مخيفة ونحت القرع وإضاءة الفوانيس والمشاعل وقراءة القصص أو مشاهدة أفلام الرعب. الإعلان كان يقدم عرضا استثنائيا لشخصين، شامل وجبة الإفطار والمبيت بقصر دراكولا الأصلي في رومانيا، دون تليفون أو إنترنت، مع التأكيد على أن النوم سيكون داخل تابوت، لكي يكتمل إحساس رعب آخر الليل. لأنه وفقا لرواية الكاتب الأيرلندي برام ستوكر، التي خلدت شخصية دراكولا بصدورها عام 1897، يخرج الكونت دراكولا من قصره ليلا، بحثا عن فريسة يمتص دماءها فيزداد قوة وحيوية وشبابا، ومن المفترض أنه ينام خلال النهار في تابوت، وأن جسده لا ظل له، ولا يمكن رؤيته في المرآة.
مصاص الدماء هو شخصية ميثولوجية أسطورية، جاء ذكرها كثيرا في التراث الشعبي لبعض دول أوروبا الشرقية والبلقان، فيتردد عنه أنه يتغذى على جوهر الحياة (غالبا الدم)، ويزور أحباءه ويسبب لهم الأذى أو حتى الوفاة، تبرز أنيابه وتحمر عيناه، ويكون الجو مشحونا بالرهبة والحزن أينما حل. ولم يشع مصطلح مصاص الدماء إلا في أوائل القرن الثامن عشر، بعدها تطورت الشخصية في الخيال عام 1819 مع نشر كتاب "مصاص الدماء" لمؤلفه جون بوليدوري، ثم ذاع صيتها أكثر مع رواية برام ستوكر في القرن التاسع عشر، وتوالت تباعا النسخ المختلفة والأفلام والنجاحات.
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن شخصية دراكولا التي نتخفى في زيها بمناسبة الهالويين مأخوذة عن الواقع، وأن صاحبها عاش بالفعل في القرن الخامس عشر، وأن قصره في رومانيا تحول إلى مزار سياحي ومطعم، يأتيه الناس من كل حدب وصوب، كما لو أنهم بحاجة إلى جرعة إضافية من الإثارة والخوف لكي يستمروا على وجه الحياة. لم يشبعوا من المدن التي تملؤها الرايات السود وقبور الموتى والمشانق، فراحوا يبحثون عن المزيد.
***
القصر محصن كبنايات القرون الوسطى بأبراجها وبواباتها الضخمة، ومن حوله شجر كثيف يحب الصمت. صرير الأبواب المغلقة حين تفتح تذكرنا بضحايا الأمير دراكولا، صاحب القصر المسكون، إذ يقال إنه قتل ما بين 40 ألف و100 ألف شخص في الزمن الغابر، خلال حروبه ضد الأتراك العثمانيين، رغم أنه بقى لديهم في الأسر ثلاث سنوات وصادق ابن السلطان، لكن ذلك لم يمنعه من الرغبة في الثأر لأهله وحكمه. اسمه الأمير فلاد الثالث، حكم رومانيا لفترات متقطعة بين عامي 1455 و1476، وعرف باسم أمير الظلام، وشهرته دراكولا أي ابن التنين، وقد ورث هذا اللقب عن أبيه الأمير فلاد الثاني الذي اكتسبه بسبب انضمامه لعصبة التنين السرية، وقد شملت مجموعة من أمراء ونبلاء أوروبا الشرقية والوسطى للوقوف بوجه المد التركي العثماني.
ورغم كل المجازر والفظائع التي اقترفها، إلا أنه يعد بطلا قوميا في نظر أغلب الشعب الروماني، بوصفه كان يدافع عن استقلال إقليم والاشيا الروماني ضد المطامع العثمانية والبلغارية. كتب هو نفسه في إحدى رسائله لملك المجر كيف قتل الفلاحين من الصرب والبلغار الموالين للأتراك بطول نهر الدانوب، فطير رؤوس 24 ألفا بخلاف من أحرقهم أحياءً في البيوت، ولكي يبرهن على صحة أقواله بعث للملك بحقائب مليئة بالآذان والأنوف المقطوعة. ُيروى أيضا أنه كان في غاية القسوة تجاه أقليات البلقان، فمثلا للتخلص من الشحاذين والمتشردين دعاهم إلى وليمة وأشعل النيران فيهم وهم أحياء، أما الغجر فقد خيرهم ما بين الإبادة أو الانخراط في جيشه. كان مولعا بالخوازيق، ففي إحدى صوره التاريخية يظهر بشاربه الكث وأنفه الطويل وهو يتناول طعامه، ومن حوله يعذب الجلادون الناس ويقومون بخوزقتهم أمامه، ولم يستثن النساء والشيوخ. وفي إحدى المرات، قام بتثبيت عمائم السفراء الأتراك بالخوازيق على رؤوسهم لأنهم لم يخلعوها احتراما له حين دخلوا بلاطه.
***
في قصره إذاً كان أنين وصراخ المخوزقين، فانتشرت الحكايات والأساطير حوله حتى قيل ضمن ما قيل إنه كان يستمتع بشرب كؤوس من دماء الضحايا بعد مزجها بالخمر.. درجة غير طبيعية من العنف والوحشية لكنها كانت واقعا وضمن التاريخ الدموي الطويل لأوروبا قديما، نعيشها في منطقتنا الآن تحت مسميات مختلفة. يحرق الدواعش ضحاياهم أحياءً ويمثلون بالجثث، ومصاصو الدماء الجدد ينتعشون على حساب أرواح الشعوب، والمدن تمتلئ كل يوم بالرايات السود وقبور الموتى والمشانق وورثة التنين وأحفاد دراكولا، فنشعر أننا لم نغادر القرون الوسطى. لا حاجة لنا للتنكر في الهالويين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وريث التنين وريث التنين



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon