توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هي والخاتم

  مصر اليوم -

هي والخاتم

بقلم : داليا شمس

لا نهاية سعيدة لهذه القصة. تنظر إلى نفسها في المرآة، تلمع عيناها بالدموع، بينما تحاول أن تظل نبرة صوتها حيادية. خفق له فؤادها قبل سنوات. جذبتها قصصه أكثر من ملامحه الدقيقة، وهكذا وقعت في فخ زواج غير موفق. استسلمت بسعادة حمقاء. رأت نفسها تتحول من فتاة مرحة مفعمة بالأمل إلى سيدة شابة حائرة يتملكها القلق، ثم صارت تنتمي لأولئك النساء الضعيفات ظاهريا. تنظر إلى خاتم الزواج في إصبعها، لطالما لازمها أثناء الأكل والنوم والشغل والاستحمام، فهي لم تخلعه أبدا من يدها حتى لا يكون نذير شؤم كما يقولون.
تتفحص إصبعها وقد تورم قليلا أو كثيرا، انتفخ كما انتفخ سائر جسمها. تبذل قصارى جهدها لكي تخلع الخاتم: ترفع ذراعها إلى أعلى عدة دقائق لتحسين الدورة الدموية، تضع أصابعها في ماء بارد أضافت إليه بعض الملح الخشن، ثم جاء دور استخدام الصابون و"الكريم" المرطب لكي تخرجه من يدها التي استقر فيها طويلا حتى صار يمنع أحيانا وصول الدم إلى الأطراف. هل ستحتاج أن تذهب إلى محل مشغولات ذهبية لكي يقصوا الدبلة؟ وماذا لو اقترحوا عليها هناك أن يقوموا بتكبير الخاتم فتحتفظ به في خزانتها، على سبيل الذكرى، دون أن تلبسه؟ هل الموافقة تعتبر تراجعا أو رغبة في أن تترك الباب مواربا؟
***
تظل الأفكار تطاردها واحدة تلو الأخرى، ويدهشها حجم الحكايات التي يدفعها هذا الشيء الصغير الثمين إلى ذهنها، فهو يلخص أشياءً كثيرة، حياة كاملة ربما أبرز معانيها الالتزام، الحرية، التقيد، التغيير، العشرة، الحب... طبعا الحب، لهذا حرص الفراعنة ومن بعدهم الإغريق على أن يكون خاتم الزواج في اليد اليسرى ناحية القلب، تحديدا في الإصبع الرابعة أو البنصر، ظنا منهم أنه يرتبط بشريان يصل إلى القلب مباشرة، أما الشكل الدائري فهو يرمز إلى اللانهاية، إلى أبدية الزواج... تضحك في سرها، قائلة: "ربما أيضا يرمز إلى أنه ليس له أول من آخر، حلزوني، مثل الدرج اللولبي الذي قد تنزلق قدمك من عليه في أي لحظة".
لم تُعرف عادة تزيين الخواتم بالأحجار سوى في القرن الثامن عشر الميلادي، إذ أقبل الأحبة على الألماس لصلابته وصار رمزا للأبدية والنقاء، أما الياقوت فيدل على العاطفة المتأججة، والزمرد يبعث على الأمل. وخلال الفترة نفسها تقريبا أدخل الرومان عادة نقش الأسماء أو العبارات الخاصة على خاتم الزواج والتي احتفظنا بها حتى الآن. كل هذه الرموز والدلالات تجعلها تفكر في موقف الكثيرين من الذين يضجوا بهذا الرباط المقدس، خاصة الرجال الذين قاوموا في البداية فكرة لبس خاتم الزواج للإشارة إلى حالتهم الاجتماعية، استسلموا بشكل كبير للمبدأ إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، على الأغلب بسبب رغبتهم في أن يشعروا أن رفيقات حياتهم معهم للنهاية حتى على جبهة القتال. ولكن هذا لا يمنع أن هناك من يرفضون حتى الآن لبس خاتم زواج، مفضلين أن يكونوا أحراراً طلقاء مثل هيرميس، إله السفر والتجارة عند اليونان. ومع تزايد نزعات التدين الجديد في بلادنا صار بعض الرجال يأبون لبس الذهب أو حتى الخواتم ويجدون في ذلك تشبهاً بالنساء، وهو ما لاحَظته بين الشباب، أبناء وبنات صديقاتها، وهم يتبادلون الهدايا والدبل الفضية كدليل على جدية مشاعرهم.
***
تتجول في المنزل باكية وهي تستعرض الصور الفتوغرافية التي التقطاها معاً في مناسبات وسفريات مختلفة، تتوقف عند رحلة الأندلس وتحاول ربط ذاكرتها العاطفية بأمور ملموسة أكثر. كانت ولاتزال تؤمن أن بقاءها في زواج أصبح خاليا من الحب خطيئة، بعكس أخريات يعتقدن أنهن دخلن إلى بيوت الزوجية بفستان زفاف أبيض وسيخرجن منها بالكفن الأبيض. نساء ورجال اختاروا أن يكون زواجهم توافقيا، أما هي فقد رفضت توزيع الأدوار التقليدي، كانت دوما تكره أن تجلس في غرفة معيشة أحد الأشخاص وقد انقسم الجمع إلى "جلسة نساء" وكلام في أمور شتى دون كلفة، في مقابل زاوية أخرى يحتلها الرجال للنقاش الجاد.
تنظر إلى الخاتم مجددا فترى ما ترى، تمسحه وكأنه يملك قوة سحرية كما في الحواديت، سيظهر الجان المحبوس في الخاتم وتتبدل حياتها، وهو ما حدث في المرة الأولى حين لبسته. ربما سيتكرر ذلك حين تخلعه. تتذكر عندما رأت خاتما في المنام قبل زواجها، وكان ذلك علامة على قرب الارتباط. هرعت وقتها إلى كتب بن سيرين والنابلسي لتفسير الأحلام لكي تتأكد من المعنى ويطمئن قلبها، لاتزال تحتفظ بالكتب على أرفف منزلها. تنتظر حلما جديدا لتفسره، إشارة لما هو آت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هي والخاتم هي والخاتم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt