توقيت القاهرة المحلي 14:59:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حروب الرحماء وحلم إبراهيم عيسى

  مصر اليوم -

حروب الرحماء وحلم إبراهيم عيسى

بقلم : خالد منتصر

لكل كاتب مشروع رئيسى وحلم محورى يداعب خياله كل فترة، وعندما يكتب بعيداً عن هذا الحلم، فهو أحياناً يكتب بدافع الشحن المعنوى لاستكمال الحلم، وأحياناً أخرى يكتب للهروب من عبئه ومسئوليته الثقيلة، ولكن هذا المشروع الحلم يظل ساكناً فى محارة الضمير والروح والعقل لا يبرحها حتى يتشكل لؤلؤة أصيلة براقة. وإبراهيم عيسى، برغم نجوميته الصحفية والتليفزيونية واقتحامه لمجالات كثيرة ومتعددة ومتشعبة، إلا أن قراءة التاريخ الإسلامى من وجهة نظر تحليلية موضوعية لا تقديسية صنمية، وتحويله إلى حكى قصصى إبداعى، كانت مشروعه وحلم حياته، منذ أن كان شاباً صغيراً فى «روزاليوسف» ثم فى إصدار «الدستور» الأول، ثم فى تجربة «دريم» التليفزيونية، ثم فى إصدار «الدستور» الثانى... إلخ، وهذه الرغبة متأججة بداخله وكأنها نداهة الحكايات الشعبية القديمة، لذلك كان صدور رواية «حروب الرحماء» بعد «رحلة الدم» خبراً سعيداً بالنسبة لى شخصياً، لأننى بهذا أكون قد كسبت الرهان بأن الحلم حتماً سيتمكن من إبراهيم ويتحقق. وها هى السلسلة تحقق النجاح الذى يغرى بالاستكمال. النفس الروائى منح تاريخ «حروب الرحماء» قوة الفيلم السينمائى، فقد وصف إبراهيم عيسى تفاصيل المعارك، خاصة الجمل وصفين، وكأننا نرى جنود المعركة ونلمسهم ونعيش ترددهم تارة وحماقاتهم تارة أخرى، نتعفر بتراب سنابك الخيل ونقلب الصفحات ونحن نمسح عنها الدم، نفتح أعيننا على اتساعها لا لنقرأ الحروف بصورة أفضل ولكن لأن قلم إبراهيم عيسى المطرقة يدق على رؤوسنا بتفاصيل لا يمكن أن تحدث من أناس كان النبى الموحى إليه من السماء بينهم منذ سنوات قليلة، وكان القرآن ما زال فى القلوب قبل الأوراق والجلود.

وأذكى ما فعله إبراهيم عيسى فى الرواية هو بيان وتوضيح مراحل تشكل طبقة الخوارج وتتبعها منذ مرحلة الجنين حتى مرحلة المارد مصاص الدم، وساهمت ريشته فى رسم أعظم بورتريه تم رسمه لعبدالرحمن بن ملجم، قاتل على إمام المتقين، وصف المؤلف -بدون مباشرة فجة- أن هناك بعداً طبقياً وعنصرياً فى إشعال غضب هذا القاتل، وكأن الذى غضب وشارك فى قتل ابن ملجم نسى أو تناسى أنه هو صانعه فى الأصل، بالتعالى والعنصرية والقبلية. إلى جانب ريشة البورتريه كان هناك مشرط الجراح وشيزلونج الطبيب النفسى، عندما يتحدث عن حيرة الزبير وتردده فى مواجهة على، مواجهات الجيل الثانى من أبناء الصحابة، امتعاض ابن طلحة وابن عمرو بن العاص من تأجج الحرب فى مواجهة جموح ابن الزبير وابن خالد بن الوليد، ابن أبى بكر فى الجيش المواجه لابن أبى بكر، مبشر بالجنة يقاتل مبشراً آخر، ثأر وخصومة كانت قبل الإسلام تظهر من تحت الرماد جمرة ملتهبة فتجد سيفاً لمسلم يقطع رقبة مسلم آخر مذكراً إياه بثأر قديم من قبيلته! كيف استُخدم عمار بن ياسر من الطرفين، كل يحكى حكاية موته وقتل الفئة الباغية له من زاوية مصلحته.

أبدع إبراهيم عيسى فى رسم مثالية شخص على ابن أبى طالب، رسمه كبطل إغريقى يساق إلى قدره الدرامى بمحض إرادته، وكأنه يقول لنا فى طيات روايته إن مثالية على بن أبى طالب المحلقة السماوية لا تستطيع أن تكسب فى لعبة السياسة الأرضية، بلغت هذه المثالية العلوية به مبلغاً يتجاوز الملاحم الإغريقية حين يعفو عن أعدائه ويوقف الحرب وهو قد اقترب من حسم الانتصار ثم يختار المفاوض الممثل لجيشه شخصاً كان قد خذله من قبل!! يتضح للقارئ من «حروب الرحماء»، ومن قبلها «رحلة الدم»، أن دراما التاريخ الواقعية أخطر وأكثر شجناً وحزناً وإثارة وغموضاً من أى دراما مسرحية، مشروع سلسلة رحلة الدم سيظل هو البصمة الخالدة والوشم الباقى فى رحلة إبراهيم عيسى نفسه، واستكمالها لم يعد ترفاً أو رفاهية أو مزاجاً، بل صار فرض عين وفريضة ثقة، فهو قد قرّب الشباب من منطقة التاريخ، وأبعد التاريخ عن منطقة القداسة، وهو جهد لو تعلمون عظيم.

نقلًا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب الرحماء وحلم إبراهيم عيسى حروب الرحماء وحلم إبراهيم عيسى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا
  مصر اليوم - مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات

GMT 17:36 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

الصين تعلن تسجيل 99 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 12:34 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

شنط ماركات رجالية لم تعد حكرا على النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon