توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

منظومة «اللكلكة»

  مصر اليوم -

منظومة «اللكلكة»

بقلم - أمينة خيري

قد نكون غير قادرين على إعادة هيكلة حياتنا التى ساءت وتدهورت وتكحولت (مزيج من الكحل الأسود البهيم الذى يعتم الرؤية مع قليل من الكحول الذى يتخمر فيذهب بالعقل). أو ربما نحن غير راغبين فى ذلك، بعد ما اعتدنا القبح، واستسغنا المسخ، ولم تعد «اللكلكة» أو «الطلسقة» أو الإجراءات «الهمايونية» أو التصرفات العشوائية أو العيش على هامش الحياة تضايقنا. كما رفعت الملايين شعارات حياتية تدعو إلى العيش اليوم بيومه و«العمل على قد فلوسهم» و«إياكش تولع» و«هى جت عليا؟!». والنتيجة هى أن تفاصيل حياتنا، الصغير منها والكبير، وإنجازات عملنا المهم منه والهامشى، وشكلنا العام على مستوى الدولة والفرد، فضيحة بكل معانى الكلمة. تسافر إلى الخارج، فيحدثك محبو مصر بأسى عما ضربها من ترهل وما أصاب ناسها من عدم اهتمام وقلة اعتناء و«لكلكة» فى كل مظاهر الحياة. وحرص كارهوها على سؤالك على سبيل الاستفزاز عن أسباب السكوت على قذارة الشوارع، وتدهور المعايير المهنية، واندثار القيم الأخلاقية، وانهيار بديهيات وأبجديات العمل الحقيقى. وبغض النظر عن محاولات الدفاع، أو حفظ ماء الوجه، أو رص قائمة من الحجج والأعاذير جنباً إلى جنب مع العوامل والمعايير التى أدت إلى المسخ الكامل الذى نعيشه، فإنك حتماً تصاب باكتئاب إضافى لما ضرب هذا الشعب من ترهل وعدم ممانعة لتحويل كل قيمة إلى فعل ماضٍ.

مضت أيام كان الصنايعى المصرى معروفاً بين الأمم بملكاته وقدراته فى التصنيع والتشطيب والتصليح بحرفية. وولت وأدبرت أيام كانت أطقم التمريض فى المستشفيات أقرب ما تكون إلى ملائكة الرحمة اللاتى كنا نسمع عنهن. وأحيلت إلى المتاحف بقايا المصنوعات والتقنيات المصرية التى كانت تعكس تركيبة بشرية عظيمة تجمع بين الشطارة والإنسانية مع الذكاء والمفهومية.

فهم ما جرى لنا يتمثل فى قصة تعيسة حكاها صديق مصرى مقيم فى الإمارات. «أسطى» عامل سيراميك مصرى تصادف وجوده هناك، فكلفه الصديق ببضع الأعمال فى مطبخه وحمامه، وكانت النتيحة كارثية؛ بلاطات معوجة، تقفيلات مشوهة، تشطيبات كارثية لا تشبه إلا مثيلاتها التى أصبحت واقعاً حياتياً قبيحاً فى مصر. ومع القبح العملى يأتى العوار الفكرى، الصديق المصرى اصطحب الـ«أسطى» من يده وقاده إلى عدد من شقق أصدقائه ممن أنجز أعمالها السيراميكية عمال هنود وباكستانيون وبنغاليون.. الجدران والأرضيات أقرب ما تكون إلى الحرير، التقفيل والتشطيب يكاد يضاهى الورق الأملس. فما كان من العامل إلا أن تحجج تارة بعدم استواء الجدار وهذا كذب، وأخرى بسوء نوعية المواد وهذا تدليس. وحين ضيَّق الصديق خناق الحجة والبرهان عليه، وبعد ملاوعات لم تخلُ بأغلظ الأيمانات بصلاته وصومه وحجه، قال الـ«أسطى» إن معايير التعامل مع السيراميك تختلف فى مصر عنها فى دبى، وهى جملة غير مفهومة أصلاً.

لكن يبقى ما هو مفهوم ألا وهو أننا غير قادرين أو غير راغبين أو غير مدركين، أن تفاصيل حياتنا اليومية من سيئ لأسوأ ومعايير مهنيتنا وإنجازنا تتدهور يوماً بعد يوم، وشماعات حججنا الواهية وتبريراتنا المائعة تزداد بلهاً وعتهاً بينما نتكلم. ولا أرى ضرراً أو وصمة أو عاراً فى أن تستعين مصر بأصحاب القدرات والمعارف ممن نجحوا فى بناء منظومات عمل مهنى يتبع معايير حازمة ويضمن نتائج جيدة ويعاقب المخطئ والمقصر والمهمل عقاباً عسيراً مع ضمان منظومة رقابة مستمرة وصيانة لا تتوقف لتناول سندوتش فول أو الحصول على تعسيلة أو «على قد فلوسهم». لكن كل الضرر والوصم والعار لنا فى حال كان هناك إصرار على المضى قدماً فى منظومة المسخ والقبح و«اللكلكة» التى تأكلنا.

نقلا عن الوطن القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منظومة «اللكلكة» منظومة «اللكلكة»



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt