توقيت القاهرة المحلي 19:57:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدين والقانون أيها الرئيس

  مصر اليوم -

الدين والقانون أيها الرئيس

بقلم - أمينة خيري

حين تُنشر هذه السطور، تكون اللجان الانتخابية قد فتحت أبوابها لليوم الأول من الانتخابات الرئاسية. زملاء كثيرون كتبوا وسيكتبون عن أهمية المشاركة مهما كان موقف الناخب السياسى، أو مهما بلغ من عدم رضا عن المشهد الانتخابى والإغراق اللافتاتى، لذا سأعرج على الخطوة التالية لما بعد العملية الانتخابية.

وحيث إن هذه الانتخابات جاءت خالية من البرنامج الانتخابى- باستثناء قائمة إنجازات ضخمة للرئيس عبد الفتاح السيسى وإجابات أسئلة على حوارات إعلامية أجريت مع السيد موسى مصطفى موسى- فإننى أطالب الرئيس بمطلبين رئيسيين: الأول اتخاذ خطوات فعلية وآنية لنسف الخطاب الدينى المتحجر السائد ومحاربة الهسهس الكامن فى قلوب وعقول ملايين ودعم خطاب جديد يليق بالمصريين فى القرن الـ21. والثانى الاعتراف بأن «دولة القانون» لا وجود لها إلا فيما ندر، حيث السائد هو دولة اللاقانون حينًا، و«الشرع بيقول إيه؟» حينًا، وترك المواطنين ينهشون بعضهم دائمًا.

ودائمًا هناك ملايين من المصريين يمقتون القانون، وملايين أخرى تعتبر القانون أقرب ما يكون لـ«السيمون فيميه» (السلمون المدخن) أو «الفواجرا» (كبد الأوز الفاخرة). فهو من الرفاهيات البعيدة عن معيشة البسطاء، ولا علاقة له بحياة المواطنين العاديين. وقد وصلت رسالة الجهات المنوط بها تطبيق القانون والتى قررت أن تدخل فى سبات عميق وتتظاهر بأنها متواجدة رغم أنها غائبة، أو بمعنى آخر متواجدة بالجسد لكن غائبة بالروح والعقل اللذين يدفعانها إلى تطبيق القانون حتى يشعر الناس أولاً بالعدل والأمان، وثانيًا ليرتدع المجرمون عن الاعتداء على الآخرين خوفًا من العقاب.

وحتى أكون واضحة أمام الرئيس فى مطلبى، أعلم تمامًا أن القانون يتم تطبيقه فى قضايا فساد كبرى على سبيل المثال، لكن دور القانون فى تنظيم الحياة بين الناس، وإعادة الحق لأصحابه، وعقاب المعتدى يكاد يكون فى غيبوبة تامة، ما يترك الضحية لقمة سائغة للمعتدى أو عرضة لتدخلات قلّتها أفضل مثل «الشرع بيقول إيه؟» أو «خلاص بقى عفا الله عما سلف» أو «يابخت من قدر وعفى».

وسأسرد نموذجين لموت القانون الإكلينيكى وسطوة العرف الشارعى سلبًا وإيجابًا لتنظيم العلاقة بين المواطنين. فى «مدينتى» ذلك التجمع العمرانى الأنيق الذى يجعل الزائر لحظة دخوله من البوابات يشعر أنه انتقل إلى دولة أخرى كتلك التى نزورها ونقع فى غرام نظامها ونظافتها وقوانينها المطبقة بكل حسم وحزم حفاظًا على سكانها وتنظيمًا للعلاقات بينهم. لكن العنصر البشرى قادر بكل تأكيد على قلب الجمال مسخًا، وتحويل الروعة قبحًا.

باصات مدينتى المخصصة فى الأصل لركوب السكان والتى يركبها الزوار كذلك (وأغلبهم من العمال والعاملات) اختراع عبقرى. فهى تسهل على السكان التوجه إلى أعمالهم وقضاء مصالحهم دون الحاجة إلى قيادة سياراتهم أو تأجير سيارات أجرة أو ما شابه. المقاعد الأربعة الأولى مخصصة لكبار السن وأصحاب القدرات الخاصة. أما الصفوف الأربعة التالية فمخصصة للسيدات. والقواعد محفورة على المقاعد. لكن دائمًا ما يصر الأصحاء على الاعتداء على مقاعد كبار السن، ودائمًا ما يصر الرجال على الجلوس على مقاعد السيدات. الغريب أن تعليمات شفهية صدرت للسائقين والمحصلين بعدم التدخل من قريب أو بعيد للحفاظ على هذه المقاعد من التعدى على غير الفئات المخصصة لهم. وحجة مسؤولى الحركة فى ذلك هو أن على الركاب أن يحلوا مشاكلهم فى الباص بأنفسهم دون تدخل إدارة الحركة. ويبدو من الواضح تمامًا أن موت القانون الإكلينيكى فى الشارع (متمثلاً فى انعدام الرقابة على سرعة القيادة والسير عكس الاتجاه وعبث التوك توك وتسيير سيارات «ثمن نقل» مرخصة ملاكى وتشغيلها أجرة) أرسل رسالة قوية إلى مجتمعات وكيانات أخرى قوامها «انسوا القواعد وتجاهلوا اللوائح ودعوا المواطنين يخلصوا على بعض».

النموذج الثانى وهو لما يجرى مع «أوبر» و«كريم». صحيح أن الأوضاع يجب تقنينها، لكن ماذا عن التاكسى الأبيض الذى بات ينافس مملكة الميكروباص فى البلطجة وإمبراطورية التكاتك فى العشوائية وسلطنة «الثُمناية» فى الهمجية؟ ألا يعلم المناط بهم تطبيق القانون أن غالبية التاكسى الأبيض خارجة تمامًا عن القوانين؟ عدادات لا تعمل، سيارات قذرة، سائقون منفلتون، تدخين أثناء العمل، أغنيات مسفّة وألفاظ خارجة، حديث فى المحمول أثناء القيادة، إمارة وتحكم فى خط السير ووجهة الرحلة، وقائمة السفه طويلة جدًا ولا مجال للحديث عن اللجوء إلى الشرطة لأن رد الفعل يأتى دائمًا فى إطار «وأنا مالى».

مال مثل هذه النماذج بإصلاح الخطاب الدينى؟ مالها يكمن فى إقحام «شرع» العامة بديلاً لقانون الدولة. ففى كل أزمة ناتجة عما سبق، تظهر فئة من المواطنين تطالب بتطبيق الشرع أو تتشبث بتلابيب ما يعتقدون أنه التدين الحق وسيلة لجلب الحق. فإما يباغتك أحدهم وأنت الطرف المعتدى عليه بـ«المسامح كريم» أو «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس» وغيرها من كلمات حق يراد بها باطل. ومفهوم العامة عن الدين قاصر فى كثير من الأحوال. فمهمة الدين ليست ترك المعتدى يمضى فى طريقه دون حساب رادع. وهذا الخلط الخبيث ساهم إلى حد كبير فيما نحن فيه اليوم من فخفخينا الشعب المتدين بالفطرة حيث «قال الله وقال الرسول» ليل نهار وبعيد كل البُعد عن أخلاق الدين وسلوكه ليلا ونهاراً.

أيها الرئيس أطالبك ببث الحياة فى القانون الميت مع العمل على نسف الخطاب الدينى القائم على أهواء وتفسيرات خاطئة لأن كليهما يدق مسامير جديدة فى نعش الوطن يوميًا.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والقانون أيها الرئيس الدين والقانون أيها الرئيس



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 18:51 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تقرير يكشف أن"غروك" يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين
  مصر اليوم - تقرير يكشف أنغروك يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 23:59 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

هرمون الإستروجين والبروجسترون يؤثران على اللوزة الدماغية

GMT 10:54 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 22:58 2020 الخميس ,16 تموز / يوليو

إطلالة جذابة لـ هند صبري عبر إنستجرام

GMT 00:37 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ديكورات خارجية لمتعة الصيف حول المسابح

GMT 22:24 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

باريس سان جيرمان يهزم غامبا أوساكا بسداسية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt