توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سماء ترحل عنها الشمس

  مصر اليوم -

سماء ترحل عنها الشمس

بقلم - خولة مطر

تجرى فى سباق مع الطبيعة أو ربما هو السباق الذى علمته لك تلك المرأة التى كانت دوما أقرب لك من دقات قلبك. تقرأ أحاديث عينيك وتضاريس وجهك وأنت طفلة صغيرة وما إن كبرت وانتقلتِ لمرحلة المراهقة التى لم تعرفيها كما الأخريات، قالت لك «حبى» بل كررت «اتقنى الحب واسعدى به حتى لو لم يستمر فيتأسس فى شكل علاقة زوجية.. هى التى علمتك أن تسابقى اليوم قبل أن تخرج الشمس من السماء لتتأملى الغروب وأنت صغيرة جدا وكل قدرات عقلك الصغير مثلك لا يدرك ما أهمية أن تراقبى الشمس وهى راحلة فى آخر يوم مشمس».
• • •
تذكرتيها بشدة منذ أيام وأنت قد تعديتى المراهقة بسنين طويلة وأنت تسابقين الزمن مرة مع بضع صديقات وأخرى مع صديقات وأصدقاء لا يشبههم أحد، لا فى الشكل ولا فى المضمون ولا فى تفاصيل تواريخ حيواتهم التى مرت بكثير من التعب والجهد والالتزام بقضايا الوطن، وبكثير من الحب بعضه عابر وبعضه ترك بصمة فى القلب ورحل.
• • •
تتذكرينها وهى ترقد فى سريرها فى ذاك المستشفى البعيد جدا والذى لم يعد حتى يشبه ما كان عليه زمن البساطة والمحبة والعلاقات التى لا ترتبط بدفاتر حسابات أو مصالح.
• • •
وأنت تسابقين الشمس مع صديقات لا يبعدن كثيرا عن سنين عمرك تطمحين لأن تصطادى اللحظة حين تسقط الشمس فى آخر البحر أو النهر وتترك خلفها بعض الوهج المستلقى باسترخاء شديد فوق صفحة من الماء المشحون بحكايات من العشق المعتق.. تأملتِ اللحظة وهن يتحدثن وكنت تطمحين لبعض السكوت فى حضور الغروب فلا يجوز إلا الإصغاء لصوت الضوء وهو يرحل تدريجيا والشمس تسقط فى حضن الماء بحرا كان أم نهرا. تمنيتى أن تحمليها من سريرها فوق كتفك وتضعيها بذاك القارب الشراعى وترحلى بها فى حضن الغروب حتى آخر بقعة ضوء منه وحتى يسكن فى عمق الماء وأنت وهى تتحدثان بلغة البهجة المصاحبة للحظات الخاصة جدا وتستمتعان بجمال كان هو بعضا مما كانت تنشره من الفرح.
• • •
هى الراقدة فى ذاك المستشفى البعيد فوق سرير بشراشف بيضاء بنصاعة قلبها الذى بقى نقيا حتى عندما تعب الجسد منه. تعرفين أنك تعلمتى القبضة على اللحظة منها وتتساءلين من أين تعرفت الصديقات على جمال الاسترخاء فى وداع الشمس مع آخر النهار؟ تسألينهن واحدة بعد الأخرى وهن يتلعثمن فى الإجابة وكأنهن يقلن لماذا تكثرين الأسئلة؟ تصرين على تكرار السؤال وهن دون إجابة مقنعة لأن كثيرا من تعود على التعلق بلحظة الآخرين وما يسعدهم أو يبهجهم أو حتى أحيانا يحزنهم. قليل من يعرف ماذا يريد وكيف وأين ومع من؟ وأكثر منهم قلة من يعرفون لماذا يحبون هذا أو ذاك أو الصباح أو المساء أو هل يفضلون الشروق على الغروب دون الإجابة الممجوجة والمتكررة إن الشروق هو الأجمل لأن فيه البدايات بينما الغروب يأتى ببعض الحزن الملازم لختام اللحظة أو العلاقة أو الحب أو السعادة أو حتى اليوم العادى جدا.
• • •
تعيدين تكرار المشهد أى الحضور الجمعى فى حضرة الغروب وفوق مركب شراعى ومع بضعة من الأصدقاء بأعمار وتجارب وخلفيات مختلفة وهن جميعا يجرون رغم صعوبة الجرى فى السن المتقدمة لمراقبة الشمس قبل رحيلها فى طقس يشبه ما كان عليه الفراعنة القدماء. هؤلاء من جيل يعرف جيدا ما يحب وما يكره وما يستطيع أن يتحمله بسبب الظروف أو تعرجات الزمن. وهم أيضا يشكلون الذاكرة الجماعية للمكان الذى هو يبدأ بشارع فى حى فى مدينة فى بلد يدعى وطنا. هذه مجموعة أخرى من عشاق الغروب ولكن كل فرد منهم يعرف لماذا؟ وكيف ومتى؟ ربما نتيجة للخبرة أو حتى لكونهم من ذاك الزمن الجميل حيث أضافوا بهجة على بهجة مراقبة الغروب الجماعية. وربما لأنهم من جيل كان يعرف معنى الاستمتاع الحقيقى بصحبة البشر وفى حضن الطبيعة وليس خلف شاشة مشعة لهاتف أو آيباد أو لاب توب أو أى جهاز آخر.. هم من عرفوا متعة أن تحمل كتابا ليكون رفيق لحظات النهار أو بين لقاءين أو محطتين أو موقفين. وهم أيضا من ذاك الجيل الذى يقدر حجم الصداقة وأهميتها فى الحياة وكيف يختارون الصحبة بدقة الجراح.
• • •
كم كان الغروب ممتعا معهم جميعا، وكم هو مؤلم أن تكون معلمتى وعاشقة الغروب الأولى هناك على مسافة بعيدة منه ومنى وعلى فراش فى مستشفى لا يحمل إلا الأبيض ولا شىء من تلاوين سماء ترحل عنها الشمس.
كاتبة بحرينية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سماء ترحل عنها الشمس سماء ترحل عنها الشمس



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt