توقيت القاهرة المحلي 07:59:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يمكن لتركيا ـ أردوغان أن تتغير؟

  مصر اليوم -

هل يمكن لتركيا ـ أردوغان أن تتغير

خيرالله خيرالله

تركيا في استطاعتها المشاركة في استعادة بعض هذا التوازن الإقليمي في حال تخلى رئيسها عن عقد كثيرة، على رأسها عقدة مصر.

كانت الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمملكة العربية السعودية ذات طابع محوري. يعود ذلك بكلّ بساطة إلى الدور التركي في المنطقة الذي له سلبياته الكثيرة، والذي يمكن أن تكون له إيجابياته الكثيرة.

سيتبيّن في مرحلة ما بعد الزيارة ومحادثات أردوغان مع الملك سلمان بن عبدالعزيز هل تركيا ـ أردوغان في صدد إعادة تقويم دورها آخذة في الاعتبار الإخفاقات الكبيرة التي تسبّبت بها، أم أن كلّ ما في الأمر أن الرئيس التركي جاء في زيارة تستهدف جسّ نبض القيادة السعودية.

ربّما حاول أردوغان معرفة هل طرأ تغيير على موقف المملكة من جماعة الإخوان المسلمين بعد غياب الملك عبدالله بن عبدالعزيز. هذا على الأقلّ ما يرويه ذوو النيات السيّئة.. وما أكثر هؤلاء! ما لا يمكن تجاهله أنّ العرب في حاجة إلى تركيا، وتركيا في حاجة إلى العرب. ولكن، أيّ عرب في حاجة إلى تركيا وأيّ تركيا يحتاج العرب إليها؟

العرب الذين في حاجة إلى تركيا هم عرب الاعتدال الذين يقاومون “داعش” ويقاومون في الوقت ذاته كلّ الدواعش الأخرى، خصوصا تلك التي تشجّعها وترعاها إيران، أكان ذلك في سوريا أو العراق.. أو لبنان. تركيا التي يحتاج إليها العرب، هي تركيا التي تلتزم سياسة عقلانية بعيدا عن كلّ نوع من التهوّر والمزايدات التي لا تصبّ سوى في زيادة التوتر في المنطقة وتساهم في تشجيع التطرّف.

كان مفيدا قيام الرئيس التركي بزيارة للمملكة العربية للسعودية للقاء الملك سلمان وعرض أوضاع المنطقة معه. المفيد أكثر أن تأتي زيارة أردوغان للمملكة مباشرة بعد الزيارة التي قام بها للرياض الرئيس عبدالفتّاح السيسي.

إذا كانت زيارة السيسي والاستقبال الحار الذي حظي به في الرياض كشفا شيئا، فإنّهما كشفا أن العلاقة بين الرئيس المصري والعاهل السعودي الجديد على ما يرام وأنّ لا تغيير في موقف الرياض من القاهرة. هناك قناعة مشتركة بأنّ أمن مصر من أمن الخليج وأمن الخليج من أمن مصر.

هذا ما يفترض أن يستوعبه أردوغان الذي يبدو واضحا أنّ لديه مشكلة مع مصر، خصوصا مع السيسي بالذات، وذلك بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين والشخص الذي أوصلوه إلى الرئاسة، أي محمّد مرسي.

هناك شراكة مصرية ـ سعودية في الحرب على الإرهاب. هناك محاولة جدّية لتشكيل “قوّة عربية مشتركة” لمحاربة الإرهاب الذي بات يجسّده تنظيم “داعش” والذين يوفّرون حاضنة لـ”داعش”، أكان ذلك في سوريا أو في العراق.

لم يكن للبحث في تشكيل هذه القوّة العربية المشتركة أن يأخذ منحى جدّيا لولا الجهود التي بذلها الملك عبدالله الثاني الذي استقبل حديثا أمير الكويت الشيخ صُباح الأحمد في عمّان، ثم زار الرياض للقاء الملك سلمان، قبل توجّهه إلى القاهرة من أجل محادثات مع السيسي.

أين تقف تركيا من هذه الجهود العربية الهادفة إلى مباشرة حرب طويلة المدى على الإرهاب يصفها العاهل الأردني بأنّها “الحرب العالمية الثالثة”؟

إلى الآن، لم تقرّر تركيا ـ أردوغان ما الذي تريده. تريد الشيء وعكسه. تريد الاستفادة إلى أبعد حدود من إيران ومن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتريد في الوقت ذاته اتّباع سياسة خاصة بها وبأجندتها، إن في سوريا أو في العراق. في هذين البلدين العربيين اللذين يوفّران حاضنة لـ”داعش”، هناك سياسة إيرانية تتعارض تماما مع السياسة التركية!

نعم، هناك حاجة عربية إلى تركيا وحاجة تركية إلى العرب. هذا واقع لا يمكن تجاوزه، خصوصا في ظل وجود قوتين غير عربيتين، إلى جانب تركيا، هما إيران وإسرائيل تعملان على سدّ كلّ فراغ يمكن أن ينجم عن الضعف العربي وعن غياب التوازن في الإقليم.

في نهاية المطاف، يظلّ الموقف من مصر الدليل على مدى جدّية تركيا في لعب دور إيجابي يخدم الاستقرار في المنطقة. هذا لا يعني أنّ مصر هي المكان الوحيد الذي تستطيع تركيا من خلاله إثبات أنّها شريك بالفعل في الحرب على الإرهاب.

هناك أماكن أخرى يمكن لتركيا أن تظهر فيها وعيا لخطورة ما تواجهه المنطقة بدل السعي إلى بيع الأوهام خصوصا إلى الفلسطينيين كما حصل وما زال يحصل منذ سنوات عدّة بسبب الحصار الخانق المفروض على قطاع غزّة.

هناك أولويات لا مفرّ أمام تركيا من التعاطي معها. بين هذه الأولويات أن لا فائدة من السعي إلى رفع الحصار عن غزّة، وهو حصار ظالم، من دون التخلّص من فكرة أن “حماس” لا تريد بالفعل الانتهاء من الحصار.

السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع تتقاطع مع سياسة “حماس” التي تريد السلطة ولا شيء آخر غير السلطة، حتّى لو أدى ذلك إلى نشر البؤس في غزّة. الأولوية لدى “حماس” هي لتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني كي يصبح مؤمنا بثقافة الموت التي لن تأخذه إلى أيّ مكان.

كيف يمكن لتركيا أن تدعم سياسة من هذا النوع، أم يكفي أن تكون “حماس” جزءا من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كي يصبح كلّ شيء مبرّرا؟

تقاتل مصر الإرهاب على غير جبهة. هناك جبهة سيناء وهناك جبهة ليبيا، فضلا عن جبهة الداخل. ولذلك يُفترض في دولة مثل تركيا تطمح إلى أن تكون نموذجا للديمقراطية في المنطقة تقديم نفسها بطريقة أفضل، إن في ليبيا أو في سيناء أو داخل مصر. نقطة البداية في امتلاك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بالحاجة إلى نمط جديد في التفكير يعكس طلاقا مع الماضي وكلّ ما ساده من أخطاء.

كلّ ما فعلته تركيا هو تعقيد الوضع في ليبيا عبر تقديم مساعدات لمجموعات، أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها متطرّفة. أما في غزّة، فقد أوصلت الفلسطينيين إلى طريق مسدود، خصوصا بعدما اعتقد هؤلاء أن في استطاعتهم تغيير المعادلة مع إسرائيل بفضل دعم أردوغان والأسطول الذي أرسله لفك الحصار في مايو 2009.

الأسوأ من ذلك، السياسة التركية في سوريا. اتخّذ أردوغان منذ البداية موقفا سليما مؤيّدا للشعب السوري الذي يتعرّض لحرب إبادة يشنّها عليه نظام أقلّويّ بدعم إيراني وروسي مكشوف. لم تكن هناك أيّ شائبة في الخطاب السياسي التركي.

لكنّ النتيجة أنّ أنقرة دخلت في لعبة المماطلة والتسويف. خدمت اللعبة كلّ من يريد تفتيت سوريا ككيان من جهة وخدمة التنظيمات المتطرفة من جهة أخرى.

مرّة أخرى، تركيا حاجة عربية، خصوصا في ضوء فقدان التوازن الإقليمي. في استطاعتها المشاركة في استعادة بعض هذا التوازن في حال تخلّى رئيسها عن عقد كثيرة، على رأسها عقدة مصر. صحيح أنّه إخواني يتوجّب عليه الوقوف مع جماعته.

لكنّ الصحيح أيضا أن لا قصة نجاح إخوانية، في الجانب الاقتصادي، إلّا في تركيا. هذا النجاح ليس عائدا في الضرورة إلى الإخوان، بمقدار ما إنّه عائد إلى المجتمع التركي الذي استطاع تطوير نفسه. في كلّ مكان آخر حلّ فيه الإخوان، حلّ الخراب والجهل وانتشر التطرّف ومعه الإرهاب.

ماذا فعل الإخوان في غزّة وماذا فعلوا في مصر وماذا فعلوا في ليبيا وتونس واليمن.. حتّى لا نتحدّث عن أماكن وبلدان أخرى؟ هل يمكن لتركيا أن تتغيّر؟ هل يمكن لأردوغان أن يتغيّر، خصوصا في حال اكتشف أن الرهان على تغيير في الموقف السعودي من مصر لم يكن خيارا في محلّه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يمكن لتركيا ـ أردوغان أن تتغير هل يمكن لتركيا ـ أردوغان أن تتغير



GMT 02:02 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

المكالمة الأخيرة

GMT 01:59 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

«مصيدة أليسون» والعاصفة الكونية المتجمعة

GMT 01:56 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

فلسطين في انتخابات البريطانيين

GMT 01:53 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الحذر... إلا مصر

GMT 12:38 2024 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

... وإبادة الحضارات

GMT 12:33 2024 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

صبّوا علينا من ماء الديمقراطية... ولن نسقيكم!

GMT 02:10 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 21:35 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

مونشنجلادباخ مصدوم من تعليقات جماهيره العنصرية

GMT 01:12 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

محمد هنيدي يكشف عن سبب عدم حضوره جنازة حسن حسني

GMT 10:29 2020 الأربعاء ,26 شباط / فبراير

إيهود باراك يمدح حسني مبارك ويصفه بـ"الفرعون"

GMT 22:53 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أول ظهور لـ والدة وخالة النجمة زينة

GMT 17:59 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

مصرع عروسين إثر تسريب غاز منزلي في بني سويف

GMT 18:33 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ديانج يغيب عن مران الأهلي في ملعب التتش للإصابة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon