توقيت القاهرة المحلي 02:46:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ولهذا يفشلون

  مصر اليوم -

ولهذا يفشلون

بقلم عمرو الشوبكي

لا أعتقد أن سوء الأداء وانعدام الرؤية السياسية والفشل المهنى والإدارى أمور تستدعى أسئلة من نوع الوطنية والخيانة، أو المؤامرات الداخلية والخارجية، وطالما ألبسنا الأولى ثوب الثانية عنوة فإننا يقيناً نسير من فشل إلى فشل.

إن أخطر ما تواجهه مصر هو الإطار السياسى الفارغ الذى تتحرك فى إطاره، وجعل من يفترض أن تكون قد الدنيا فى مواجهة كل الدنيا، وحولنا الفشل الداخلى إلى مؤامرة خارجية، وحتى التحالف مع دولة شقيقة حولناه بقدرة قادر إلى احتقانات بين المجتمعين وعراك بين أبناء الوطن الواحد، كما جرى عقب إعلان الحكومة المصرية الفجائى تسليم الجزيرتين إلى السعودية.

والحقيقة أن أزماتنا المتفاقمة والمتصاعدة فى علاقتنا بالعالم الخارجى بدأت حين ألبسنا قضايا الفشل الداخلى ثوب النضال ضد الغرب، فاتهمناه بأنه يتآمر علينا عقب سقوط الطائرة الروسية، حتى ألمح الرئيس بأرجحية العمل الإرهابى فسكت المطبلون، وكررناها مرة أخرى مع الطالب الإيطالى المقتول فى مصر ريجينى، واعتبر البعض أن مصر تناضل ضد التدخلات الخارجية وتقف ضد مؤامرة صهيونية غربية شبيهة بما جرى فى 1956، وأن التاريخ يعيد نفسه، وأننا مستعدون لتحمل تبعات الحصار الاقتصادى الغربى على مصر من أجل الحفاظ على سيادتنا الوطنية ضد التدخلات الأجنبية.

وينتقل النضال ضد الغرب من مواجهة الاستعمار والاحتلال الأجنبى إلى المراوغة فى قضية مقتل طالب إيطالى، وتحويلها زورا وبهتانا إلى قضية نضال ضد الاستعمار بدلا من اعتبارها جزءا من الفشل الداخلى الذى يستلزم التصحيح والمراجعة قبل فوات الأوان.

والحقيقة أن أسوأ ما تمر به مصر الآن هو إحالة كل قضايانا ومشاكلنا الداخلية وأدائنا المتردى إلى مؤامرات خارجية، وهو فى الحقيقة إعلان فشل مدوٍ، لأن مقتل الطالب الإيطالى أو إسقاط الطائرة الروسية وقبلهما مقتل السياح المكسيكيين وعداءنا للديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان، والفشل الاقتصادى والسياسى، كل ذلك كان يمكن مراجعته وتصحيحه، ولكننا لا نرغب لا فى التصحيح ولا فى المراجعة، ولذا اخترنا الخيار الأسهل «المؤامرة الخارجية».

صحيح أن نظرية المؤامرة الخارجية لها أصل فى علاقتنا بالغرب، ولكن حين تكون هناك معركة حقيقية بين بلدين أو مشروعين فيقيناً الغرب الرأسمالى تآمر على الشرق الاشتراكى، ويقيناً الغرب الاستعمارى تآمر على عبدالناصر، بطل التحرر الوطنى، أما أن نقول إن هناك مؤامرة لأن هناك شابا قُتل على أرضنا ولم نقدم دليل براءتنا من هذه القضية فتلك خيبة ثقيلة وفشل أكبر.

يقيناً الغرب يترصد أخطاءنا ولا يرتاح لأى مشروع لنهضتنا، ويفضل أن نبقى فى مرحلة «التلصيم» لا نسقط وننهار تماما ولا نتقدم، ولكن أن نعتبر فشلنا فى حماية الطائرة الروسية مؤامرة غربية، أو أن قيام وفدنا الأمنى بكتابة 2000 صفحة باللغة العربية «غير الفصحى» ليقدمها للجانب الإيطالى باعتبارها نتائج تحقيقات قضية مقتل ريجينى، وحين رفضوها وقالوا إنه كلام فارغ، وسحبوا سفيرهم، رفض المطبلون أن يقولوا أين مسؤوليتنا وأخطاؤنا حتى نصححها، إنما بحثوا فقط عن شماعة المؤامرة الخارجية.

هل يُعقل أن يقارن البعض مؤامرات الغرب ضدنا (التى تعنى فى الأساس خططاً وسياسات) عقب تأميم عبدالناصر قناة السويس، ثم الحصار والعدوان الثلاثى على مصر، بضغط إيطاليا، وربما أوروبا، علينا لمعرفة من قتل الطالب الإيطالى؟

إن أى استدعاء لقضية النضال ضد الغرب فى سياق لا علاقة له بالنضال إنما بالأداء والحرفية والسياسات يدل على أننا نسير من فشل إلى فشل أكبر، ففى المرحلة الأولى كنا فى عصر وسياق أكبر اسمه التحرر الوطنى، وكان الشعب المصرى مستعداً للتضحية وتحمل الحصار والحروب من أجل نيل استقلاله وحريته مثله مثل كل الشعوب التى عانت من نير الاستعمار، أما الآن فالناس ليست على استعداد للتضحية أو دفع ثمن حصار من أجل فشل الحكومة فى تبرير جريمة قتل وقعت على أرضها، واتهمت أجهزتها الأمنية بارتكابها.

كل محاولات الاستنساخ التى شهدها العالم العربى لتجربة عبدالناصر انتهت بفشل مدوٍ، لأنها جاءت فى عصر ما بعد التحرر الوطنى، وحاولت أن تستدعى خطاب وأدوات تلك المرحلة فى عصر آخر مختلف، وفشلت فشلا مدويا وكانت خرابا ووبالا على شعوبها، سواء تجربة صدام حسين فى العراق أو القذافى فى ليبيا.

فحين اعتبر صدام حسين أن غزوه للكويت عمل من أعمال البطولة القومية، وخطوة نحو الوحدة العربية، كانت النتيجة ليست فقط هزيمته، إنما تهافت الحجج الأخلاقية والسياسية التى قامت عليها عملية غزو الكويت، أما عبدالناصر فتستطيع أن تختلف معه فى أشياء كثيرة، ولكنك ستدافع عن المبرر الوطنى والأخلاقى حتى أحفاد أحفادك وراء تأميم قناة السويس (قناتك) وصمودك فى وجه العدوان الثلاثى بإيمان شعبك وتضحياته وعدالة قضيتك.

يقيناً لن يعتبر أى مصرى طبيعى أن الخلل الأمنى الذى رجح فرضية العملية الإرهابية فى مطار شرم الشيخ ويتطلب تصويبه، مواجهته فى أن يقال لنا اخرسوا لأن الغرب يتآمر علينا، ويقيناً أيضاً لن يفتخر أحفادنا بأن أجدادهم واجهوا الحصار والغرب لأنهم فشلوا فى إثبات براءتهم فى قضية الطالب الإيطالى، فحولوها لقضية كفاحية و«تحرر وطنى» ضد الاستعمار، وهى قضية فشل وتخبط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولهذا يفشلون ولهذا يفشلون



GMT 02:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

الهدنة الحائرة

GMT 09:35 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

صناعة البديل

GMT 02:34 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

حافظوا على المقابر

GMT 09:17 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

جامعات أمريكا وفرنسا

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon