توقيت القاهرة المحلي 11:36:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نحن ضائعون.. نحن ضائعون.. نحن ضائعون

  مصر اليوم -

نحن ضائعون نحن ضائعون نحن ضائعون

معتز بالله عبد الفتاح
ما الفارق بين الآية الكريمة التى تتحدث عن الحديد الذى أنزله الله فيه بأس شديد ومنافع للناس، وصناعة الحديد فى اليابان؟ ما الفارق بين الآيات الكريمة التى تحضنا على الشورى والتعارف والتعلم، وتربية الأطفال فى الدنمارك؟ نحن لدينا آيات كريمة، وهم لديهم برامج عمل ومدارس وجامعات ومصانع، نحن ننام فى النور، وهم يستيقظون فى الظلام. يقول علماء نفس التربية إن القيم التى يكتسبها الطفل خلال السنوات الأولى من عمره، وصولاً إلى ما يعادل التعليم الإعدادى عندنا، تتحول إلى جزء من تكوينه بشكل تلقائى. بعبارة أخرى، تتحول هذه المهارات إلى عادات وكأنه مولود بها. هذا لا يعنى أنه لا يمكن أن يكتسب مهارات أخرى، ولكنها تظل دائماً أموراً يحتاج لأن يمارسها بوعى وبقرار وبشكل يبدو أحياناً مفتعلاً. والفارق واضح بين يقود سيارة جديدة وهو يبحث عن المفاتيح والزراير ويجد صعوبة فى ذلك، ومن يقود سيارة اعتاد عليها لسنوات فأصبحت تفاصيلها جزءاً من المعتاد والطبيعى فى حياته. ومن أجل هذا ولهذا، يكون الأكثر تقدماً منا حريصين جداً على أن يعلموا أولادهم قبول الاختلاف فى وجهات النظر من مرحلة مبكرة دون أن يتحولوا إلى أعداء، لهذا تأتى لهم مسألة النصر والهزيمة، والمكسب والخسارة، والاتفاق والاختلاف، ون مجهود. نحن لدينا مشكلة حقيقية: حتى أولئك الذين يطالبون بالديمقراطية يمارسون الاستبداد بشراسة. نحن نعرف كلمة الديمقراطية لكننا لا نعرف آدابها. وآدابها مسألة تحتاج لتدريب. نحن نريد من أولادنا وبناتنا أن يكونوا أحسن منا: نريد لهم أن يستمعوا (وليس فقط أن يسمعوا)، أن يفكروا بشكل مستقل (وليس أن يكونوا مجرد إمعات)، أن يتفقوا ويختلفوا وأن يظلوا أصدقاء (وليس أن يتحولوا إلى أعداء)، وأن يغيروا وجهات نظرهم ومواقفهم إن وجدوها خطأ (وليس أن يكابروا ويتكبروا). فى المجتمعات الأكثر تقدماً يبذلون مع النشء من الجهد ما يجعلهم أشخاصاً أسوياء قابلين لأن يعيشوا فى مجتمع ديمقراطى، مع احتمالات الخطأ الواردة فى كل مجتمع. سأحكى لحضراتكم بعضاً مما يكتسبه الطفل من مهارات فى المدارس الغربية. هناك مثلاً لعبة اسمها «تغيير الدوائر» (Changing Circles)، يتعلمها الأطفال فى الابتدائى والإعدادى فى الخارج، تخيل لو عندك عشرة أطفال، يمكن لك أن تجعلهم يقفون فى دائرتين داخل بعض أو بجور بعض. وكل دائرة يتحرك أفرادها ببطء ولكن فى اتجاهين متعارضين. دائرة تتحرك فى اتجاه عقارب الساعة والأخرى تتحرك فى الاتجاه المضاد. يبدأ المدرّس فى قراءة بعض العبارات مثل: «مصر تسير على الطريق الصحيح سياسياً واقتصادياً» أو «الحكومة مسئولة وحدها عن مشكلة القمامة التى تملأ الشوارع»، أو «لا بد من منع الجماهير من مشاهدة المباريات لأنهم يحدثون شغباً شديداً». مع كل عبارة تُقال، على الطفل أن يختار إما أن يوافق أو يرفض العبارة التى سمعها. لو وافق على العبارة التى سمعها فإنه سيظل يتحرك فى نفس الدائرة التى يسير فيها. ولو لم يوافق على العبارة فإنه يغير الدائرة ليلحق بالدائرة الأخرى التى تسير فى الاتجاه المقابل (أى الدائرة التى تسير عكس عقارب الساعة مثلاً). ويظل كل طفل يغير الدائرة التى ينتمى إليها عدة مرات مع كل عبارة يختلف معها. وهنا سيكتشف عدة أمور: أولاً هو اتخذ قراره بنفسه، ولم يملِه عليه أحد. ثانياً، هو غير الدائرة التى يتحرك فيها عدة مرات اتفاقاً واختلافاً مع زملائه ولم يجد هو أو هم أى مشكلة فى أن يكونوا متفقين فى بعض الأمور وأن يكونوا مختلفين فى بعض الأمور. ثالثاً، تباين المواقف بين البشر ليس جريمة بل هو من سنن الله فى خلقه، والمسألة لا تستدعى أى صراعات أو حب أو كراهية. تعالوا لما هو أعمق من ذلك. ممكن أن نترك للأطفال أو الشباب عبارة مثيرة للجدل مثل: «لا بد أن تتخذ الحكومة إجراءات مشددة من أجل الحد من الزيادة السكانية الرهيبة»، يترك للأطفال أو الشباب وقت ليناقشوا العبارة دون تدخل من المدرس إلا توضيح أهمية هذا الموضوع. ثم كل واحد من الشباب يخرج ورقة ويرسم عليها خطاً أفقياً ويضع عليها ثلاثة أرقام: «1» فى أول الخط، و«2» فى منتصف الخط، و«3» فى نهاية الخط. من يوافقون على العبارة المقالة بشأن تام يختار رقم 1، والمعترضون بشدة يختارون 3، ومن لهم موقف متحفظ ومختلف عن الموقفين الآخرين يختارون 2. عند هذه اللحظة لا ينبغى أن يسمح للشباب أو الأطفال بالنقاش حتى لا يؤثر أصحاب الشخصية الأقوى على أصحاب الشخصية الأضعف. يتم وضع ثلاث لافتات على السبورة أو على الأرض ويطلب من كل واحد من الشباب أو الأطفال أن يذهب إلى اللافتة التى تحمل الرقم الذى اختاره بعد أن يسلم الورقة التى كتب فيها موقفه إلى المدرس. وهنا لا بد أن يلتزم بما اختار وألا تحكمه غريزة القطيع (herd instinct) أى يتحرك مع ما تقوله الأغلبية بلا تفكير (وهذا خطر عظيم). وفى كل مجموعة، يقوم الطلاب أو الشباب بمناقشة الأسباب التى جعلتهم يتبنون وجهة النظر المشتركة بينهم. هذا النقاش هام للغاية لأنهم يتعلمون من بعضهم البعض، يتعاونون، يتفقون ويختلفون، ويعملون فى فريق عمل، ويكتسبون مزيداً من الثقة فى أنفسهم. عادة يطلب من كل مجموعة أن يخرج منها أحد أعضائها ليشرح وجهة نظر أعضائها. ويكون الاختيار وفقاً لمعيار عشوائى تماماً مثل الشخص الذى عنده أصغر أخ أو أخت أو الشخص الذى لديه أغمق بنطلون.. إلخ حتى لا يسيطر شخص واحد على المجموعة وحتى يتحقق الاستماع الفعال لأن أياً منهم لا يعرف من الذى سيتحدث. ومع كل مجموعة تقدم وجهة نظرها، ثم تقوم كل مجموعة بتوجيه اقتراحات أو انتقادات، للمجموعة الأخرى، حتى يكون كلامها أكثر عقلانية، ولا يكون الهجوم على أشخاص المجموعة الأخرى وإنما النقاش منصب على الموضوع. ويكون من الوارد أن يقوم بعض الأعضاء بتغيير وجهة نظرهم ومعها يغيرون مجموعة إلى أخرى، وأن يوضحوا الأسباب التى دفعتهم لذلك. لا يوجد بالضرورة توجه صحيح وآخر خطأ، ما هو موجود بالضرورة أن أبناءنا يمكن أن يتعاونوا ويتعلموا، ويتناقشوا، ويختلفوا، ويتفقوا، ويتطوروا، ويتغيروا دون أن يكون عندهم بالضرورة «أجندات خفية» أو يكونوا متلونين أو مداهنين أو منافقين أو عملاء أو خونة. فائدة مثل هذه التمرينات هائلة ويتبنى شخصية قادرة على التفرقة بين مواضع الاتفاق والاختلاف مع الآخرين، وتكون هى الثقافة التى تقبل فى النهاية بأن يهزم فريقى فى الكرة دون أن أقوم بتدمير المدرج، أو أن يختلف معى شخص فى وجهة النظر دون أن أصفه بأشنع الصفات، وأن يكون جزءاً من فريق وأكون مشاركاً فى نجاحه حتى وإن لم أتفق مع كل ما يقال فيه. إما هذا، وإما نحن ضائعون.. ضائعون.. وأستعير عنوان كتاب للزكى النجيب محمود، رحمة الله عليه: «مجتمع جديد أو الكارثة». نقلا عن جريدة الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن ضائعون نحن ضائعون نحن ضائعون نحن ضائعون نحن ضائعون نحن ضائعون



GMT 10:07 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

فشلنا في امتحان الجاهزية والاستعداد

GMT 10:05 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مفكرة السَّنة الفارطة... الإعصار دونالد

GMT 10:04 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

عن اقتصاد السّوق واقتصاديات السُّوء

GMT 10:02 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

القدية غربَ الرياض تُلقي التَّحية الأولى

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

هل ثمّة حياة بعد الدولة الأمّة ذات الحكم المركزي؟

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

السلطة والطرب... فيلم «الست»

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

عامٌ «ترمبي» يرحل وآخرُ يُقبل

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

غداً عامٌ جديد

GMT 08:11 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026
  مصر اليوم - رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026

GMT 17:18 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان
  مصر اليوم - ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان

GMT 08:26 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026
  مصر اليوم - نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026

GMT 09:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:55 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 03:47 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

المقاولون العرب يفوز على المقاصة بهدفين نظيفين

GMT 02:11 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

باسم مرسي يتسبب في اصابة سعد سمير
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt