توقيت القاهرة المحلي 18:16:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها...

  مصر اليوم -

صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها

بقلم: حازم صاغية

منذ 1975 على الأقلّ ارتبطت باللبناني صور خمس، بعضها أقدم من ذاك التاريخ بعقود: إنّه تاجر بأردأ معاني الكلمة وأحطّها، وأنّه كائن أسطوري مُحلّق. لكنّه أيضاً، وهذا ما يخالف الصورتين الأولى والثانية، كائن عنيف، وفوق هذا هو طائفيّ، بل الطائفي بألف ولام التعريف، المشوب تالياً بالعنصريّة.
اللبناني التاجر: تبعاً لطبيعة الاقتصاد السائد، حيث الخدمات هي العمود الفقريّ، نُسبت إلى اللبنانيين صفة التجّار. الفينيقيّون استحضروا بقوّة من الكتب العتيقة. لكنّ التاجر، في الفرع القومي - اليساري من ثقافتنا (وإن لم يكن في الثقافة الإسلاميّة) وجه رديء. كثير من الشتائم السياسيّة (عميل، زبون، صفقة، مساومة، تسوية...) مُستمَدّ من قاموس التجارة ومصطلحاتها. اللبنانيّ، بالتالي، هو النفعي بأرخص معاني الكلمة وأشدّها ابتذالاً: النفعي الذي لا مبادئ له. السينيكي المتنصّل من القضايا والخبيث في التعامل معها، والذي يصحّ فيه الوصف الشهير: لكلّ شيء سعر وما من شيء له قيمة.
اللبناني الأسطوريّ: أدونيس وعشتروت وإخوانهما كانوا لا يكفّون عن الهطول علينا: من سماء الشعر وسماء الأغنية، فضلاً عن الكتاب المدرسي بالطبع. فـ«نحن والقمر جيران» والبلد «قطعة سما». العلاقة مع الواقع وهمومه ومسائله بدت مقطوعة تماماً. التعالي على الواقع هو ما لا ينتج العقل سواه. صحيحٌ أنّ اللبناني يعاني الهموم ويئنّ تحت وطأتها إلاّ أنّه لا يفكّرها ولا يفكّر فيها: «ما بيلتقى مرّاتْ عنّا رغيف - ومنعيش بأطيب من الجنّة»، كما كتب ميشال طراد وغنّت فيروز.
اللبناني العنيف: هو أصلاً، في ثقافته الرومنطيقيّة القديمة، كثير التمجيد للجبل والصخر والوعر. الرحبانيّان كتبا: «نحنا ودْيَاب [ذئاب] الغابات ربِينا». «تفتيت الصخر» قُدّم كأنّه رياضة وطنيّة للّبنانيين. في الموازاة، ظلّ تمجيد الجيش، أي القوّة و«الرجولة»، موضع إجماع معلن وإن كاذب. في منعطف آخر بدأ عام 1975. سجّل لبنان اسمه واحداً من البلدان التي افتتحت الحروب الأهليّة. الميليشيات. القتل بلا رحمة. القتل على الهويّة. القصف العشوائيّ. الخطف... انكشف ضعفنا أمام أسماء كـ«أبو الجماجم» و«أبو الهول» روّجتها الثورة الفلسطينيّة. بعد هذين المصدرين، الريفي المسيحي والقومي - اليساري - الفلسطينيّ، أضاف «حزب الله» مصدراً ثالثاً يحفّ به المقدّس الشيعي وينهل من تواريخ دينيّة ومذهبيّة: عاشوراء وكربلاء و«هيهات منّا الذلّة».
اللبناني الطائفيّ: لا يختلف التركيب اللبناني نوعيّاً عن تراكيب المشرق العربيّ. لكنّ عدم تعرّضه لنظام قومي وعسكري يفرض على الناس كيف يسمّون أنفسهم، وتبنّي الدولة نفسها للطائفيّة السياسيّة وقيام إدارتها على المحاصصة، جعلت اللبناني ثرثاراً في الجهر بطائفيّته مقابل ميل عربي إلى الكتمان. لم تعد الطائفيّة مجرّد تهمة أخلاقيّة أو عيب ينبغي اجتنابه. باتت أداة للمعرفة والتعيين، وكادت تصير أداة وحيدة لذلك. غير بعيد عنها، نمتِ العنصريّة واندفعت تستهدف المدنيين السوريين والفلسطينيين وعموم الأجانب. هذا الاستهداف بلغ حدّاً من الوضاعة جعلته الأزمة الاقتصاديّة مجال التعبير الأوحد عن «التفوّق» و«العملقة».
مراحل وحقب كثيرة، وقوى وآيديولوجيّات عدة، أنتجت هذه الصور على ما فيها من انسجام ومن تضارب في آنٍ واحد. لكنّ الثورة التي فجّرها شبّان لبنان وشابّاته بدأت تكسر هذه الصور شبه الحقيقيّة شبه النمطيّة. إنّها تباشر تطهير النفس الجمعيّة منها. فاللبناني كما تقدّمه الثورة، وكما ترفعه عَلَماً، صاحب مبدأ يناضل في سبيله. إنّه يعلن فقره على الملأ ويسمو به إلى سويّة القضيّة. وليس بلا دلالة أنّ «المصرف» الذي بات في لبنان رمزاً للفساد، هو في رأس الرموز التي تستهدفها الثورة. الردّ على تلك الصورة أوّله التطبيع مع الواقع وإنزال الإنشاء السقيم من السماء إلى الأرض. واللبنانيّون الجدد يملأون ساحاتهم ويخوضون هذه المغامرة الرائعة بسلميّة قصوى. يعبرون حدود طوائفهم ومناطقهم التي علّبتْهم طويلاً، بحدٍّ غير متضخّم من فولكلور «الوحدة الوطنيّة» القديم. وهم يرسلون الإشارات عن نظرة أرحب إلى الآخر والمختلف، شريك الفقر والمعاناة. في هذا كلّه، نراهم يحتفلون بنفسهم الجمعيّة الجديدة بكثير من الفرح والشجاعة والإبداع، وبالكثير الكثير من الردّ الرمزي على نهبهم وإذلالهم، ولكنْ بالقليل جدّاً من النرجسيّة وتضخّم الأنا. فهم يتصرّفون تصرّف المُدرك أنّ فوات هذه الفرصة يعني البقاء عقداً بعد عقد عبيداً لحفنة من الفاسدين الصغار، وقد أضافوا إلى فسادهم وصَغارهم رغبة حادّة في الانتقام.
أمّا الصور، وقد كثّفتها «المشرقيّة» العُظاميّة لجبران باسيل فيما منطقة المشرف تحترق عشيّة الانتفاضة، ناهيك عن «أشرف الناس» الحزب - اللهيّة في وصف جائعين ممنوعٌ عليهم أن يشبعوا، فتأبى أن ترتاح. إنّها تتهيّأ للانقضاض مجدّداً دفاعاً عن عالمها القبيح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:33 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

تن هاغ يثني على جماهير يونايتد بعد خسارة بالاس
  مصر اليوم - تن هاغ يثني على جماهير يونايتد بعد خسارة بالاس

GMT 16:37 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية
  مصر اليوم - زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية

GMT 02:00 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

حكايات السبت

GMT 01:37 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 400 شخص إثر زلزال ضرب المناطق الحدودية بين إيران والعراق

GMT 07:47 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

سهر الصايغ سعيدة بنجاح مسلسل "ولاد تسعة"

GMT 22:15 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مؤشر بورصة لندن يغلق على ارتفاع طفيف الثلاثاء

GMT 07:43 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

فوائد الشليم

GMT 14:22 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب المصري يعتذر لسفير مصر في غانا محمد حيدر

GMT 11:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

كارمن سليمان تنشر فيديو عفوي تضع فيه المكياج

GMT 06:58 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

"كورونا" يراوغ في مصر وأرقام الإصابات خير دليل

GMT 09:16 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تكشف مواصفات الزوج بالنسبة لها

GMT 20:47 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

5 سيارات إطفاء تكافح حريق محل في وسط القاهرة

GMT 06:36 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مواصفات أول سيارة كهربائية في فعاليات معرض طوكيو

GMT 18:01 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الموت يفجع الفنان المصري رامي جمال
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon