سيارة الاسعاف وعددمن المواطنين

 صوت صراخ يقطع سكون الليل، فكلما يعلو صوت الصراخ يعلو معه أصوات السياط "الكرباج"، ذاك الصراخ الذى أيقظ النيام، وجعل قاطني الشارع يهرولون إلى مصدره، فإذا بسيدة ترتدي جلباباً أسود، ووشاحاً لونه وردي، وتستغيث بجيرانها "أنقذوني أنقذوني"، فقد فرت هاربة إلى الشارع، وما أن وقعت على عتبة أحد الجيران وسمعوا الضجة هرعوا لنجدتها.

وانهارت على الدرج وأصبح صوت الصراخ مبحوحاً، تخرج الصرخة من حلقها كسكين يقطع لحمها، لا تستطيع النطق، كانت منهارة منهكة، عيناها يكسوهما اللون الأحمر ذابلتان، تطوقهما هالتان زرقاوان، وبشرتها شديدة الزرقة، ممتلئة حزناً أصبحت بلا حراك، وكأنها لفظت أنفاسها الأخيرة، في هذه الأثناء حملها بعض جيرانها، مسرعين إلى المستشفى إلا أنها فارقت الحياة قبل وصولها.

"ولاء"، تبدو أكبر من سنها الذي قارب على الأربعين، مطلقة ولديها بنت وولد أراد القدر السيئ أن ترتبط مرة أخرى بأحد جيرانها ويدعى «نور. ع» في منتصف الثلاثينات، بعد محاولات مضنية ومتكررة، وافقت وأخذت معها أولادها من طليقها إلى منزل الزوجية الجديد، أملاً في حياة سعيدة فقدت رونقها في زوجها الأول. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فعلى مدى تسع أعوام اتخذت فيها ولاء من الصبر سلاحًا لمواجهة أفعال زوجها الصبيانية، التي حولت حياتها إلى جحيم أملاً في تربية أبنائها الخمسة، بعد أن أنجبت ثلاثة أبناء من الجاني، والتي لا تملك من الدنيا سواهم.

وفي بيت أشبه بالزنزانة المغلقة ذاقت فيها العذاب ألواناً، تتعرض فيها إلى كافة أساليب وجرائم التعذيب التي لا مثيل لها، تحملت فيها "ولاء" ما لا يطيقه بشر، فضلاً عن أن زوجها حرمها من حقوقها في الحياة وراح يلهث وراء شراء المخدرات وإدمانه وسرقة السيارات، فكان لا يمتهن أي مهنة، وهي من تعمل ليلاً ونهاراً ما بين "بيع حلويات أمام المدارس نهارًا، إلى بيع الشاي في الشوارع حتى منتصف الليل"، لم يكن ذلك فحسب بل كان ابنها سيف الدين ذو الثلاثة عشر عامًا، من طليقها السابق هو من يصرف على المنزل مستقلاً توك توك يستولى المتهم على إيراداته كل يوم لشراء المخدرات، بل إنه جعل الطفل هو من يجلبها له.

استمرت الأيام وشبح الجوع والتعذيب يلاحقها، اختار القدر أن ينال الجاني جزاءه ففي يوم الحادث اتصل الجاني بابن زوجته، وقال له "لو ماجبتش فلوس هاموتك، أنت وأمك وهاعلقك على باب البيت"، وعاد إلى المنزل بدون نقود بسبب عطل في التوك توك وقام بتنفيذ تهديده وأخذ في لكمي وركلي في معدتي، وأثناء تدخل والدتي، جذبها من شعرها، وموجهًا لها ضربات مبرحة، ثم أحضر "غلاية" المياه وقام بسكبه على رأسها، واستمر في ضربها على رأسها، لم يكتف بذلك فقام بإحضار الكرباج، واستمر في الضرب على جميع أنحاء جسدها، ومنع أي أحد من الدخول علينا حتى شقيقه الذي حضر ليمنعه من قتل أمي، وقال لها "لو صرختي هولع فيكى"، وأثناء فتح الباب ركضت أمي تستنجد بالجيران لكنها وقعت على عتبة أحدهم، وعلمت بعد ذلك أنها فارقت الحياة، وأثناء هذا قام القاتل بتهديدي، وقال لي "انت لازم أموتك انت الوحيد اللي شفت الواقعة ولازم أموتك"، وحاول إلقائي من أعلى سور المنزل إلا أنني استطعت الفرار منه ذاهباً إلى جدي.

وكان المتهم ينوي إخفاء الجثة، وجريمته لكي يفلت من العقاب، وبدأ في اختلاق أسباب عديدة لموتها، منها أنها سقطت على الأرض بعد أن ارتطمت بعتبة المنزل بعد أن سقطت من على السلالم، لكن تجمع الأهالي حوله ورفضوا أن يتركوه وسلموه لضباط المباحث، لينال عقابه على ما جنته يداه.