توقيت القاهرة المحلي 21:35:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"أفّ .. مِش مُمكِنْ !!"

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - أفّ .. مِش مُمكِنْ !!

بقلم: حازم محمد

جلس متكئاً على مقعده المجاور للممر الذي يتوسط القطار .. إحدى قدميه تكاد أن تتعلق في  الهواء من شدة ارتفاعها فوق القدم الأخرى .. وكذلك الحال بالنسبة لحاجبه الأيمن الذي استقر في وضع لا يسمح له بالنزول لمستوى حاجبه الأيسر، وكأن كل ما فيه يرفض كل ما فيه .. الأنفاس تتصاعد وصدره يعلو ويهبط بشكل ينم عن كم من السخط الذي لا ينتهي كلما اصطدم به أحد الباعة، الذين يجوبون القطارات ببضاعتهم ، أو كلما امتدت له أيدي من تلك الأيادي الممتدة في نواحي القطار طالبة ما يسد مزاجها فضلا عما يسد حاجتها .. تحولت أنفاسه المتصاعدة إلى همهمة، وكلمات متداخلة لم أكد أتبين منها سوى بعض الكلمات المتناثرة، والتي لم تقو على الاختباء طويلا وسط حمم الألفاظ المتعاقبة التي يغلب الظن أنها ليست سوى مجموعة منتقاة من أبشع الشتائم التي تتقاذف على ألسنة العوام .. - أف مش ممكن !!! كررها بصوت متصاعد يسمح لي وللجالسين حوله بتبينها جيداً .. لم يتوقف الأمر كثيراً على موقفه من الباعة والشحاذين بل امتد الحال إلى نظرات متفرقة في وجوه الجالسين، مليئة بقدر ليس بالهين من الاشمئزاز، و بشكل يبعث الريبة في النفوس لدرجة جعلت أحد الركاب يتحسس على وجهه، لعل شيئا غير طيب قد أصابه أثناء نومه. تكررت تلك الهمهمات التي لا تنتهي .. وتعالى صوته الناقم على كل شيئ - أفففففف مش مممممممكن !!! لدرجة أصابت جميع المحيطين به بحالة من الإستياء الشديد والرغبة فى الإشتباك مع هذا الكائن المتأفف .. وفى وسط هذه الحالة الملتهبة وقبل أن يصل الوضع إلى حالة الانفجار تصاعد صوت قادم من مؤخرة العربة : - تذااااكر .. تذاااااااكر ... تذكرتك يا باشا ... تذكرتك يا بيه .. انشغل الجميع بالبحث عن تذاكرهم استعداداً لعرضها على الكمساري وفى وسط هذه الأجواء اختلستُ بعض النظرات إليه لأجد حالة من النوم المفاجئ قد أصابته، وبشكل لا يتناسب مع شخص كان يملأ القطار همهمة وضجيجاً منذ لحظات .. اقترب الكمسارى شيئا فشيئا، حتى أصبح بمحاذاته، وصاح بصوت عالٍ : - إصحى يا بيه التذكرة لو سمحت وكأنه لم يسمع شيئاً وكأن غيبوبة قد أصابته فجأة، ورغم شكله المنهك وتقاسيمه التي يظن الناظر إليها لأول وهلة إنها في حالة نوم عميق إلا أن كل ذلك لم يشفع له عند الكمساري الذي أخذ في وخذه بأطراف أصابعه، حتى فتّح عينيه بشكل متكاسل وكأنه يغط في نومه منذ يوم كامل وأخذ يتطلع في وجه الكمساري بشكل ملئ بالسخط وصاح بصوت عالٍ للغاية أصاب الكمساري بالارتباك .. - أفففففففف مش مممممممكن !!!  رد عليه الكمساري مسترضياً : - معلهش يا بيه اعمل أيه دى شغلتى .. ثم باغته سائلاً : - فين تذكرتك بقى عشان أشوف باقى الركاب .. قبل أن ينتهي الكمساري من كلمته أخذت يده في الارتعاش وصوته في الانخفاض وأشار للكمساري، حتى يقترب منه ومال على أذنيه هامسا : - لو سمحت أنا حصلت معايا شوية مشاكل وممعييش فلوس قالها وعلى وجهه ابتسامة منكسرة تبعث الشفقة في النفوس رغم ما كان عليه من لحظات، إلا إن تلك الكلمات قد أصابت الكمساري بنشوة عارمة، وكأنه وجد فيها متنفساً عما لاقاه من إهانات على أيدي الركاب في ذلك اليوم الخانق، ورد عليه بطريقة مليئة بالتشفي. - لما إنتو ممعاكوش بتركبوا ليه؟ وفالح تبصلي من تحت لفوق وأنا بكلمك.. إتررزع مكانك لحد متوصل المحطة بتاعتك .. ناس معندهاش دم بصحيح ثم انصرف ليكمل عمله في اصطياد الركاب المتهربين من دفع التذاكر، دون حتى أن يصر على طلب حق الأجرة، ويبدو أن نفسه قد طابت بتحصيل ذلك القدر المهدر من كرامته أمام الجميع، بديلاً عن حق الأجرة .. وقبل أن يبتعد كثيراً يبدو أنه أبى إلا أن يفرغ ما تبقى بداخله من حنق على وجوده في ذلك المكان المختنق، وفى هذا الجو الملتهب من شدة الحرارة، وأدار وجهه إليه قائلاً بلهجة مليئة بالاذدراء: - نزل رجلك دي واقعد زى باقي البنى آدمين اللى في القطر بلا قرف إنت مش قاعد فى بيت أبوك هنا كفايا إني سبتك قاعد ومرمتكش من القطر .. ثم انطلق بعدها بعيداً بهامة مرتفعة وبخطوات متمايلة وبزهو المنتصر فيمعركة دامية..وصاح بنشوة عارمة وبصوت متغنى: - تذااااااااااااااااااااكر .. تذاكر كل هذا الكم من التوبيخ وهو واجم ينظر إلى الكمساري بوجه تائه وانفعالات متباينة لا معنى لها .. وما إن غاب الكمساري في وسط تلك الكتل البشرية المتلاحمة في الممر الذي يتوسط القطار حتى عاد لِما كان عليه وكأن شيئا لم يكن.. ثم اتكأ إلى الوراء وبوضع يفوق ما كان عليه سابقا، وأعاد تعليق قدمه اليمنى فوق قدمه اليسرى وكأنه يضعها في وجوه الجالسين حوله، ثم أخذ نفساً عميقا أعقبه بزفرة خرجت معها كلماته المفضلة وهو ينظر إلي تلك العيون المتطلعة إليه بإستغراب شديد، وبصوت منطلق من اعماقه صاح : - أفففففففففففففف مش مممممممممممكن -

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفّ  مِش مُمكِنْ أفّ  مِش مُمكِنْ



GMT 13:34 2023 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

السقيفة الملعونة

GMT 12:21 2023 السبت ,26 آب / أغسطس

أنت الوحيد

GMT 12:26 2023 الإثنين ,10 تموز / يوليو

لن أرحلَ

GMT 14:14 2023 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

في الدّقيقة الأخيرة ماقبل الغروب

GMT 12:57 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 22:00 2022 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مسرح "الراويات" المنسي والمغيب

GMT 18:16 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

صوت الملامة

GMT 07:50 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

بانتظار الربيع

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 19:13 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما
  مصر اليوم - دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 19:04 2022 الخميس ,03 آذار/ مارس

تأهيل الحكومة الرقمية من أجل التنمية

GMT 11:04 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

"فورد" تستدعى 5234 سيارة فى الصين لمخاطر تتعلق بالسلامة

GMT 03:05 2024 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

5 ملايين زائر لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

GMT 05:32 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دول غرب أفريقيا تتخذ إجراءات جديدة لإنقاذ الغابات

GMT 18:11 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

عودة ميسي ووصول لاعبو البارسا لمواجهة رايو فاليكانو الليلة

GMT 04:18 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

"بي بي" تؤكد بدء إنتاج 50 مليون قدم من الغاز في مصر

GMT 16:41 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

كشف ملابسات مقتل سيدة بمنزلها ذبحًا في دمياط

GMT 08:52 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أطعمة مهمة تساعدك في علاج الأرق المزعج

GMT 09:17 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

التناقض عنوان المجموعة الشتوية الجديدة لزياد نكد

GMT 11:42 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر guess seducriv I am yours لإطلالة غامضة ومغرية

GMT 23:10 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

مطار سوهاج يُجري تجربة طواريء لطائرة منكوبة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon