توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشارع السياسى (2-2)

  مصر اليوم -

الشارع السياسى 22

عمار علي حسن

ومن ضمن التعريفات القريبة من اصطلاح «الشارع السياسى»، يوجد أيضاً «الحركة الشعبية» Populism مثل جماعة «إرادة شعب» التى ضمت مجموعة من المفكرين الروس الذين عاشوا وسط الفلاحين، وأثمرت جهودهم فى تأسيس «الحزب الثورى الاجتماعى» الذى قمعه لينين عام 1918، لكن مثيلاتها فى بولندا وبلغاريا ورومانيا لاقت نجاحاً لافتاً. وظهر حزب فى الولايات المتحدة اسمه «الحزب الشعبى» نادى فى تسعينات القرن التاسع عشر بالإصلاح الزراعى. كما يوجد سياسيون شعبيون لديهم قدرة فائقة على مغازلة الجماهير، وجذب انتباههم وتعاطفهم. ووصل الأمر بالقذافى فى ليبيا إلى أن يعلن «الجماهيرية» نمطاً خاصاً للحكم، ينطلق من تصور نظرى يرى فيها «نظاماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تمارس فيه كل الجماهير بدون استثناء السلطة مباشرة دونما وسيط، وتملك فيه الجماهير أسباب القوة تطبيقاً لمقولة السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب». لكن على المستوى العملى تم الانحراف الشديد عن هذا التصور، ومورست التسلطية والطغمائية وحكم الفرد على نطاق واسع وعميق، حتى أطيح بالقذافى عن الحكم وقُتل فى 2011. وهناك من يطلق على الشارع السياسى اسم «المزاج الشعبى»، وفق ما يراه د. عمرو حمزاوى، وهو إن كان قد حرس الديمقراطية من خلال حرص أغلب الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع فى البلدان الديمقراطية فإنه تسبب خلال بعض الحالات فى انتكاس الديمقراطية وتجاوز تنظيماتها نظراً لفقدان الثقة فى المؤسسات القائمة عليها. فالنازيون والفاشيون فى ألمانيا وإيطاليا تباعاً وصلوا إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات، لكنهم انقضوا على الديمقراطية وسط احتفاء الشارع بنزعتهم القومية والتسلطية. وفى أواسط القرن العشرين قاد المزاج الشعبى إلى ميلاد نظم عسكرية تسلطية فى إسبانيا والبرتغال والكثير من جمهوريات أمريكا اللاتينية. ولم تقد حركات التحرر الوطنى والانقلابات العسكرية والانتفاضات والاحتجاجات خلال النصف الثانى من القرن نفسه إلى التحول نحو الديمقراطية فى دول عديدة فى آسيا وأفريقيا بسبب قبول المزاج الشعبى للحكومات العسكرية، أو لفشل فى ضبط آليات الديمقراطية مثل حالة روسيا أثناء حكم يلتسين، ومصر خلال حكم مرسى، والخبرات المعاصرة لرومانيا وبلغاريا. وهناك حالات لا يلح فيها الشعب طالباً للديمقراطية مكتفياً بالإنجازات الاقتصادية والاجتماعية مثل الصين ودول الخليج. وقد ساهم التطور الهائل فى وسائل الاتصال وظهور الإعلام الحديث وتقدم الصناعة فى زيادة الحضور الشعبى فى المشهد العام، ولم تعد السياسة، فكراً وممارسة، مقتصرة على نخب ضيقة، وعلى من يلتف حولها من المنشغلين بالقضايا العامة. وصار الوعى بتأثير السياسة على الحياة الخاصة للفرد عميقاً ومتجذراً. فكثير من النظم التسلطية حاولت عبر قرون أن ترسخ تصورات تفصل بين الشأن السياسى وبين شئون الحياة التى تمس الفرد بشكل مباشر، أو تلك التى تتعلق بتلبية احتياجاته المادية الأساسية، لكن هذه اللعبة لم تعد تنطلى على قطاعات عريضة من الناس، أصبحت موقنة أن ثقافة الحاكم ونوع الحكم وكفاءة وولاءات الشخصيات التى تدير الدولة لها علاقة مباشرة بحياة أفراد الشعب، ولا جدال فى ذلك. ولعل التجربة المصرية تعطى مثلاً ناصعاً على مدى الحضور الشعبى الكبير فى السياسة بعد طول تغييب وإهمال، وبعد سنوات كان البعض يتحدث فيها عن «موت الرأى العام» نظراً لأن السلطة كانت تتصرف وكأن الناس غير موجودين، أو ليس لديهم أدنى قدرة على التصدى لما يدركون جيداً أنه فساد واستبداد. وحتى حين تكلم بعض المثقفين والسياسيين منتقدين ما يجرى تعامل معهم أهل الحكم على أنهم قلة معزولة عن الناس، وليس بوسعهم أن يحركوا أحداً منهم، ولذا رفعت السلطة شعار «يقولون ما يشاءون ونفعل ما نشاء». وحتى حين تحركت بعض الفئات الاجتماعية مطالبة بحياة كريمة، ظنت السلطة أنه لن تأتى أبداً اللحظة التى تصب فيها هذه الاحتجاجات المتوازية والمتقطعة فى طريق واحد، وتصير «كتلة جماهيرية» ضخمة، تُسقط أهل الحكم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشارع السياسى 22 الشارع السياسى 22



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon