توقيت القاهرة المحلي 10:49:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا تخف

  مصر اليوم -

لا تخف

عمار علي حسن

لا تخف... لا تخف، فالروح لخالقها، والرزق فى السماء، والأرض فى نهاية المدى يرثها الشجعان المخلصون، والأنام جميعهم إلى ذهاب، والدود لا يفرّق بين من مات من فرط الشبع، ومن قتله الجوع. لا تخف... لأن السلامة فى المواجهة، ولأن الجبان يموت ألف مرة، والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيراً من عاقبة الرفض، وأدركوا أن الذين قالوا «لا» هم من عبّدوا للبشرية طريقها إلى التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلى النور. لا تخف من سجان، لأنه هو الذى يخاف منك، ولا تخف من سلطان، فالطاغية أجبن مما تتصور، واعلم أن نفيك سياحة، وسجنك خلوة، وتعذيبك جهاد، وقتلك شهادة. وقل فى نفسك بثقة متناهية: لو لم يكن السلطان أو السجان خائفا فلِمَ الحرس والأسوار والعربات المصفحة، ولو لم يكن مرعوبا فلِمَ يخفى عنّا خط سيره ومعالم سيرته، ويضع على صندوق أسراره ألف ترباس، ولِمَ يخطف كل شىء منا بليل، ولم يكره النهار، ويمقت الصدق، ويخشى المنافسة؟!. لا تخف... فالبحر ابتلع فرعون، والأرض التهمت قارون وماله، والبعوضة أذلت النمرود، وفئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. وإذا قلت لنفسك إن زمن المعجزات قد ولى، فاعلم أنك أنت المعجزة، عقلك المتوقد ومشاعرك الفياضة وطاقتك التى لا تنفد، وتذكر الهنود الذين كانوا ينامون أمام قطارات الإنجليز لا يهابون الموت، ملبين نداء زعيمهم العظيم المهاتما غاندى، حتى حرروا بلادهم. وتذكر أن أربعين رجلا تحت قيادة كاسترو وجيفارا أسقطوا نظام حكم كاملاً فى كوبا، وأن رجلا واحدا هو مارتن لوثر كينج حرر سود أمريكا من العبودية، وأن صرخته الشهيرة «أنا أحلم» تحولت إلى حقيقة، بتولى باراك أوباما الأسمر رئاسة الولايات المتحدة. وتذكر أيضاً أن رجلا أسمر آخر، هو نيلسون مانديلا، قد صمد فى سجنه نحو ثلاثين عاماً، لم ينكسر ولم يخن، حتى انهار جدار العنصرية فى جنوب أفريقيا تحت ضربات عزمه الذى لم يلن، وإرادته التى لم تتراخ. لا تخف... «كن فيلسوفا يرى العالم ألعوبة، ولا تكن صبيا هلوعا»، هكذا قال جمال الدين الأفغانى لتلميذه النجيب محمد عبده.. قول كان يؤمن به، ويدرك أنه السبيل الوسيع لإيقاظ الهمم، وإلهاب المشاعر، وإزاحة أنظمة الحكم المستبدة. ومثل هذا القول وذلك الإيمان هو الذى خلد صاحبه فينا، وجعله أحد صناع نهضتنا الحديثة، التى أقعدها مستعمرون من بنى جلدتنا، وزعموا أننا فى زمن الاستقلال والحرية. كن فيلسوفاً، وكن واحدا من الذين قال فيهم عبدالرحمن الكواكبى: «ما بال الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، يفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون». لا تخف... ولا تنس أن قصيدة شعر أسقطت نظام الطاغية الرومانى شاوشيسكو، وأن رواية واحدة، هى «كوخ العم توم»، قد أطلقت شرارة تحرر سود أمريكا من العبودية، وقل دائما: فى البدء كانت الكلمة، وتذكر دوما أن أول كلمة فى القرآن هى «اقرأ»، ثم تدبر أمر السلاطين الذين تسولوا المجد على أبواب الكلمات، فحاول صدام أن يكون روائيا، والقذافى أن يكون قاصا وفيلسوفا، ولم يكفهما الجاه والثروة والأمر والنهى، حتى سقطا غير مأسوف عليهما. ولهذا لا تعتقد أن الرصاصة أقوى من الكلمة، فارفع حرفك فى وجه أصحاب السطوة والسوط، وارفع صوتك عاليا فى وجه الجبارين، نافضا عن نفسك كل أسباب الخمول والخمود والركوع والخضوع، وارفع فأسك التى تشق بها الأرض العفية، وشُج بها رأس ظالمك. لا تخف... ولا تأس على ما فاتك، فالمستقبل لك، والأيام يداولها الله بين الناس، والمناصب تزول، والتاريخ ملىء بسجانين سيقوا إلى غياهب الزنازين، وطوتهم القبور، ولفّهم النسيان، فلم يعد لهم بين الناس ذكر إلا حين يستحضرونهم ليلعنوهم. والتاريخ ملىء أيضا بمتغطرسين هدّهم المرض، ودهستهم أقدام الثائرين، وأكلهم الندم على ما فرطوا من واجبات فى أعناقهم، وما اغتصبوا من حقوق ليست لهم. ولا تفرح بما آتاك، فلا يزال أمامك الكثير الذى يجب عليك فعله من أجل أن يولد الغد عفيا على أكفّ الحاضر، وتشرق شمس الحرية، وتغمر بلادنا بنورها الفياض. لا تخف... بل أغمض عينيك، وأطلق العنان لخيالك، فيمكنك أن تصير ما تريد، إن أدركت أن بين جوانحك طاقة جبارة، وأيقنت أنك خليفة الله فى الأرض، وأنك المكرم من بين كل المخلوقات، المسخر لك كل شىء من أجل خدمتك، وأن المجد لله فى الأعالى، والعبودية له فى كل مكان، وليست لأى فرد مهما أوتى من جبروت، وأن أمهاتنا ولدننا أحراراً، ولسنا عقاراً ولا تراثاً، نستعبد، ونباع ونشترى. لا تخف... فالذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، وحزمة من حطب هش أقوى من عود خيزران واحد، وقطرات ماء تدوم بوسعها أن تفلق الصخر، ودفقة نور واحدة من شمس الصباح تبدد الكثير من الغيوم، فاقتل الخوف واصنع مصيرك، والله معك، ينصرك ويسدد خطاك، واعلم أن إرادة الشعب من إرادة الله. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تخف لا تخف



GMT 03:29 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كلمة بايدن متنزلش الأرض أبدًا!

GMT 03:27 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

الدنيا بخير

GMT 03:25 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

لا «نزوح» نحو ترامب ولكنهم قد يمتنعون

GMT 03:11 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

مهرجان كان الـ77 يرسم ملامحنا ونرسم ملامحه

GMT 03:07 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

كان إذا تكلم

GMT 03:05 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

في ميدان محطة مصر

GMT 02:43 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

أين الزلازل يا شيخ فرنك؟

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:54 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

ديكور فخم في منزل شذى حسون في برج العرب

GMT 13:39 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب كيرمان في شرق إيران

GMT 13:44 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

«الزراعة» تواصل خطتها لخفض استهلاك المبيدات الكيماوية

GMT 01:58 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

شالكه يسقط أمام كولن بالوقت القاتل في الدوري الألماني

GMT 06:57 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

التمدد أكثر فعالية من المشي لخفض ضغط الدم المرتفع

GMT 20:35 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل معجنات الثوم

GMT 07:25 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

توقعات العام 2021 لبرج الجدي وفق بطاقات التارو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon