توقيت القاهرة المحلي 01:52:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغاطس من قرض الصندوق

  مصر اليوم -

الغاطس من قرض الصندوق

سليمان جودة

لا صندوق النقد الدولي يريد أن يكشف للرأي العام، بصراحة، عما يريده فعلا من الحكومة المصرية، في مقابل الموافقة على منحها قرضا قيمته 4.8مليار دولار، ولا الحكومة من جهتها، تريد أن تصارحنا بحقيقة ما يطلبه منها الصندوق. قد يسارع واحد ويقول، إن المطلوب هو رفع الدعم عن بعض السلع، وإدخال بعض الإصلاحات على هيكل الاقتصاد، وتحرير سعر الجنيه، إلى آخر ما يطلبه الصندوق، في العادة، من الدول التي تطرق بابه، وتسأله قرضا. وحقيقة الأمر، بالنسبة لكل متابع للشأن المصري، منذ بدأ التفاوض بين الطرفين، قبل نحو عامين، أن كل هذه المطالب قد أخذت بها الحكومة في القاهرة، بشكل أو بآخر، وبصورة نسبية، ومع ذلك، فإن المفاوضات لم تتوقف فقط عند مرحلة «محلك سر»، وإنما عادت إلى المربع الأول، على حد تعبير السيدة لاغارد مديرة الصندوق، عندما قالت في أعقاب عودة آخر بعثاتها للقاهرة، قبل نحو أسبوعين، إلى واشنطن، إن الحوار مع المعنيين بالأمر، في مصر، قد رجع إلى نقطة البداية. والغريب، أنها لم تقل لماذا عاد الحوار إلى هذه النقطة، واكتفت بعبارة مبهمة هكذا، ليفهم منها منْ يشاء، ما يحب! بعدها، قالت المديرة نفسها، كلاما آخر، أكثر غموضا، حين صرحت بأن منح القرض لنظام الدكتور مرسي الحاكم، مرهون بتحقق الاستقرار السياسي في البلد، وهي صيغة كما ترى، تجعل حكاية القرض إياه، مفتوحة النهايات، بغير سقف زمني، فيجوز، عندئذ، أن يوافقوا عليه، في العام المقبل، أو الذي بعده، أو حتى الذي بعد بعده، لا لشيء، إلا لأن مسألة الاستقرار السياسي هذه، يمكن جدا، أن تكون نسبية، فيرى الصندوق استقرارنا السياسي، بعين، ونراه نحن، بعين أخرى تماما، بحيث يأتي وقت تعتبر فيه الحكومة، أن مصر تنعم بالاستقرار السياسي المطلوب، ويكون تقدير الصندوق لما تراه الحكومة استقرارا، مختلفا كل الاختلاف! وقد كان أولى بالسيدة لاغارد أن تعترف، على الأقل بينها وبين نفسها، بأن منح القرض هو الذي يمكن أن يؤدي إلى استقرار سياسي معقول، لأن مرجع عدم الاستقرار من هذا النوع، إنما هو اقتصادي في أساسه، وبالتالي، فإن قرضا من نوعية وحجم ما تتفاوض حوله مصر، يمكن أن يؤدي إلى خلق أجواء سياسية مستقرة، بدرجة ما، ولو لفترة محدودة، لا أن ننتظر أن يتحقق الاستقرار، فنمنح القرض، وكأننا نضع العربة أمام الحصان.. لا العكس. شيء من هذا، يعرفه المسؤولون عن الصندوق قطعا، فإذا تجاهلوه، فإن معنى ذلك، أن هناك أهدافا أخرى، يسعى إليها الصندوق، في الدول التي تطلب مساعدته، بشكل عام، ثم في مصر، بشكل خاص. وعندما جاء مرسي ليوضح للمصريين أسباب تعثر القرض، فإنه زادها التباسا هو الآخر؛ فقال قبل ساعات الإعلان عن التعديل الأخير لحكومة هشام قنديل، إن القرض سوف تتم الموافقة عليه، بعد أن يقر مجلس الشورى الذي يقوم حاليا بدور البرلمان، عدة قوانين.. أما عدد هذه القوانين، وأما نوعها، وأما توجهها، وأما طبيعتها، وأما.. وأما.. فكلها لم يكشف عنها مرسي وتركها هكذا، نهبا للشائعات، وللاجتهاد، وللتخمين أيضا! وهكذا.. وهكذا.. تستطيع أن ترصد عشرات المواقف والتصريحات، التي توحي كلها، بأن قصة منح قرض الصندوق لمصر، صارت أقرب ما تكون إلى المفاوضات حول القضية الفلسطينية، التي تروح فيها وفود وتجيء، ثم لا تصل إلى شيء، وتظل في كل مرة، تشرح ما تم شرحه من قبل، وتبحث ما تم بحثه، في أفق مفتوح! وقد جاء وقت على آن باترسون، السفيرة الأميركية في القاهرة، قالت فيه، إن إدارة بلادها لا علاقة لها بمنح أو عدم منح القرض لمصر، ولا بد أن أي عاقل كان عليه أن يتحسس عقله، وهو يطالع مثل هذا الكلام، لأنه لا يقال إلا لمجانين، ولأن الاستقلال الظاهر للصندوق، عن الإدارة الأميركية، ليس استقلالا في حقيقة أمره بالمرة، ولأن القرض إذا كان يتعثر مرارا، وطويلا، هكذا، فلأن واشنطن ترى أن لحظة الموافقة عليه، لم تأت بعد، وعندما تأتي، فسوف نرى بأعيننا، كيف سيتوافق حوله طرفاه، في ساعات! مجمل القول، إن معركة الصندوق، بين إدارته، وحكومة قنديل، إذا كانت قد طالت، بأكثر مما ينبغي، فالسبب أنها يراد لها أن تطول، وأن يظل الجانبان يتكلمان طول الوقت في تفاصيل، إلى أن يأتي ظرف زمني محدد، يدخلان فيه معا، إلى الموضوع، ويتفقان في ساعة، على ما كانا قد اختلفا حوله شهورا، وربما سنوات. والمعنى، أن المعركة في أصلها، سياسية، وليست اقتصادية كما قد تبدو لنا، وسوف تحسمها السياسة في النهاية بين واشنطن، والقاهرة، لا الاقتصاد كما قد نتصور، وسوف نرى عندها، أن الغاطس من القرض، أكبر من الظاهر أمامنا. نقلاً عن "الشرق الأوسط"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغاطس من قرض الصندوق الغاطس من قرض الصندوق



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon