توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عاتبوا ولا تخاصموا

  مصر اليوم -

عاتبوا ولا تخاصموا

فهمي هويدي

لماذا حين تهاجم السياسة الأمريكية وينتقد أو يجرح الرئيس الأمريكى لا يغضب أحد فى الولايات المتحدة، ولا نسمع صوتا هناك يقول إن الشعب الأمريكى أهين أو أن الدولة تتعرض لمؤامرة خارجية، أما حين يحدث ذلك مع بلد عربى فإن نقد الرئاسة أو السياسة يعد على الفور إهانة للشعب ومؤامرة تستهدف الدولة؟ ليس الأمر مقصورا على الولايات المتحدة وحدها، ولكن ذلك حاصل أيضا فى مختلف الدول الديمقراطية، لكننى قصدت ذكر السياسة الأمريكية والرئيس الأمريكى لأنهما الأوفر حظا فى النقد والتجريح فى مصر هذه الأيام، خصوصا فى ظل الشائعات التى تتحدث عن تآمر واشنطن مع الإخوان وعلاقة الرئيس باراك أوباما بالتنظيم الدولى. لست فى مجال تحرى صحة الشائعات وبالتأكيد ليس عندى أى دفاع عن الإدارة الأمريكية ورئيسها، لكن ما همنى فى الموضوع أن التنديد بالاثنين فى الإعلام ربما أثر على أجواء العلاقات بين القاهرة وواشنطن، ولكنه لم يؤثر على أوجه التعاون ولا خطوط الاتصال شبه اليومية بين الطرفين. فلا تعطلت مصالح ولا سحب سفير ولا قطعت الوشائج أو هدمت الجسور. وهذه النقطة الأخيرة هى التى تعنينى فى اللحظة الراهنة، لأنها تجسد المعنى الذى أريد أن أتوقف عنده فى محاولة لتحليله وتشريحه. فى هذا الصدد فإننى أزعم أن الفرق بين صدى نقد السياسات عندهم وعندنا فى العالم العربى يكمن فى اختلاف النظر إلى مفهوم الدولة لدى الطرفين. ذلك أن أحد تعريفات الدولة فى النظم الديمقراطية أنها ذلك الكيان الذى تديره المؤسسات المنتخبة من الشعب ويحتكم فيه إلى القانون. أما النظم غير الديمقراطية فالدولة فيها تختزل فى رئيسها والنظام الذى أقامه، الأمر الذى يسوغ لى أن أقول بأن الدولة فى تلك النظم الأخيرة تدار بعقل القبيلة التى يقودها الشيخ ويحتكم فيها إلى العرف. ولا أريد أن أقلل من شأن قيمة القبيلة فى التشكيل الاجتماعى، لأن لها فضائلها واجبة الاحترام، لكننى أتحدث عن اقتباس نهج القبيلة فى إدارة الدولة. ذلك أن رأس الدولة فى الأنظمة الديمقراطية فرد تنتخبه الأغلبية يؤدى وظيفة من خلال المؤسسات والأجهزة البيروقراطية ثم يمضى إلى حال سبيله فى أوان يحدده القانون. إن شئت فقل إنه عابر ومتغير فى حين أن مؤسسات المجتمع هى الباقية. أما رأس القبيلة فهو من «ثوابتها»، هو رمزها وشرفها وهو وسلالته باقون ما بقيت القبيلة. بسبب من ذلك فإن هجاء رئيس الدولة الديمقراطية أو انتقاده هو ونظامه، لا يغير من واقع الحال شيئا. أما رئيس القبيلة فهو خدش لرمزها وكبريائها وعدوان على كرامتها، تحشد الحشود لرده وتنزف الدماء لإزالة آثاره. الذاكرة العربية تحفل بالقصص والروايات التى تدلل على أن بلادنا لاتزال تدار بعقلية القبيلة رغم أنها تحمل اسم الدولة وشكلها. فشعار «الأسد إلى الأبد» فى سوريا حول الرئيس إلى شيخ وقدر مكتوب على البلد. ومعمر القذافى حين قطع علاقته وسحب استثمارات بلاده من سويسرا لأن ابنه عوقب على جرم ارتكبه، فإنه تصرف بعقلية شيخ القبيلة وليس رئيس الدولة. والسادات حين اختلف معه فإنه قطع العلاقات معه بحيث أغلق الطريق البرى الذى يصل بين البلدين لعدة سنوات، وكان ذلك سببا فى معاناة وتعذيب ألوف المصريين العاملين فى ليبيا، إذ أصبحوا مضطرين إلى الذهاب إليها بالمطارات عبر العاصمة اليونانية أثينا. لا أريد أن أسترسل فى سرد مثل هذه القصص، لأننى أريد أن أتوقف عما جرى بين مصر وتركيا فى الآونة الأخيرة، الأمر الذى تسبب فى طرد السفير التركى من القاهرة، وألقى بظلاله على كل أوجه العلاقات بين البلدين. وأسجل ابتداء أمرين: الأول أننى لا أؤيد بعض التصريحات التى صدرت عن رئيس الوزراء التركى، واتسمت بالانفعال فى نقد الوضع المستجد فى مصر، لكننى أزعم أن احتواءها بالدبلوماسية التى تعاتب ولا تخاصم، كان أصوب وأحكم. والأمر الثانى أن بعض اللقاءات والاجتماعات التى عقدها الإخوان وتنظيمهم الدولى فى تركيا لمناهضة النظام الجديد (وهى جوهر المشكلة) عقدت نظائرها فى عواصم أوروبية أخرى (جنيف ولندن مثلا) وسكتت عليها القاهرة ولم تحسبها على أنظمة تلك الدول، لأن أوضاعها القانونية سمحت بها. إن عقل الدولة فى الموقف الذى نحن بصدده كان ينبغى أن يضع فى الحسبان حجم الأضرار السياسية والاقتصادية التى تترتب على مخاصمة دولة بأهمية تركيا، خصوصا فى الظرف الراهن الذى تتغير فيه الموازين ويعاد رسم خرائط المنطقة، وهى المصالح العليا وثيقة الصلة بدور مصر وأمنها القومى. إلا أننا وجدنا منطقا مقلوبا فى ظله بقى سفير الدولة العبرية التى خاصمت الوطن والشعب والأمة فى القاهرة، فى حين طرد سفير الدولة التى انتقدت النظام خلال 24 ساعة، وهو ما لا يسىء إلى الدولة فحسب ولكنه يسىء للقبيلة أيضا. "الشروق"  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاتبوا ولا تخاصموا عاتبوا ولا تخاصموا



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon