توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفائزون والخاسرون فى الدستور

  مصر اليوم -

الفائزون والخاسرون فى الدستور

فهمي هويدي

لم يتح للمصريين أن يتابعوا مناقشات لجنة الدستور التى تمت فى غرف مغلقة إمعانا فى «الشفافية»، إلا أن المصادفة وحدها كشفت عن جوانب دالة لبعض ما جرى وراء أبواب تلك الغرف. وشاءت المقادير أن يتعلق الكشف بالمادة المتعلقة باشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع، وهو النص الذى ابتدعته لجنة الخبراء العشرة التى شكلها رئيس الجمهورية للنظر فى التعديلات المقترحة على دستور 2012 المعطل، ولم يكن هناك تفسير للزج بذلك النص سوى أنه جاء عاكسا لموازين اللحظة التاريخية التى شكلت فى ظلها اللجنة، إذ طالما أن وزير الدفاع هو الذى استدعى رئيس المحكمة الدستورية ونصَّبه رئيسا للجمهورية فربما بدا أنه من غير المستساغ أن ينص الدستور الصادر فى الظروف ذاتها على أن يكون رئيس الجمهورية هو من يعين وزير الدفاع، شأنه فى ذلك شأن بقية الوزراء. وكنت أحد الذين تمنوا على العناصر «الليبرالية» فى اللجنة أن يقوموا بتصويب ذلك الوضع الشاذ لكى يتفق مع ما هو معمول به فى الدول الديمقراطية. والذين أحسنوا الظن تصوروا أن أولئك الليبراليين سيكملون جميلهم وسيقومون بإلغاء النص الذى يجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية (المتداول أن 12 ألف شاب مصرى حوكموا أمام تلك المحاكم فى ظل وجود المجلس العسكرى)، كما أنهم سيعالجون أمر الوضع الخاص بميزانية القوات المسلحة، التى تحجب تفاصيلها عن مجلس الشعب. إلا أن تلك الآمال تراجعت بمضى الوقت إلى الحد الذى انتهى بإقرار وتمرير كل ما تمنينا تعديله. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لأننا فوجئنا بما هو أشد وأنكى. ذلك أن المحررين البرلمانيين فوجئوا قبل جلسة التصويت النهائى بأن نص اشتراط موافقة مجلس القوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع أضيفت إليه كلمة واحدة بحيث اشترط موافقة المجلس المذكور الذى يرأسه وزير الدفاع ليس على تعيينه فقط وإنما على عزله أيضا. وهو ما يعنى رفع يد الدولة المصرية تماما عن الموضوع، وإعلان القوات المسلحة مؤسسة شقيقة مستقلة لا سلطان للدولة المصرية عليها. جريدة «الشروق» روت أمس الأحد 1/12 تفاصيل القصة، فذكرت أن بعض أعضاء اللجنة فوجئوا بالتعديل وذكروا أنه لم يعرض عليهم. فى حين دافع عنه الأخ محمد سلماوى المتحدث باسم اللجنة، ونقلت الصحيفة عنه قوله إن ذلك أمر منطقى. إذ من غير المعقول أن يكون تعيين وزير الدفاع بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثم يكون العزل بغير موافقتهم، أضافت الصحيفة أن شخصا همس فى أذن سلماوى ونقل إليه تصريحا للسيد عمرو موسى رئيس اللجنة قال فيه إن تلك المادة لم يتم إقرارها، الأمر الذى عاد وكرره صاحبنا فى تعليق له! أثناء كتابة هذه السطور لم تكن اللجنة قد انتهت من التصويت على بقية مواد الدستور الجديد الذى وضعته، متجاوزة فى ذلك الإعلان الدستورى الذى نص على تعديل وليس إنشاء الدستور كما ذكرت أمس، إلا أنه من الثابت حتى الآن أن القوات المسلحة هى أكبر الفائزين به، حيث تحقق لها ما أرادت، فى حين أن الإخوان والأحزاب الإسلامية هى أكبر الخاسرين، بعد النص على حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية. (للعلم فى السويد حزب إسلامى منذ عام ١٩٩٩). هذه النتيجة لا تفاجئنا، لأنها تعبير عن تفاوت ميزان القوى فى الوقت الراهن. الأمر الذى يفتح أعيننا على حقيقة لفت الأنظار إليها المستشار طارق البشرى فى كتابه «مصر بين العصيان والتفكك» ونبه فيه إلى أن الدستور بمثابة مرآة للأمر الواقع. وذكر أن دستور 1923 حين أتاح قدرا من التداول فى السلطة فإن دافعه إلى ذلك لم يكن تنظيما فقط، ولكن لأن المجتمع آنذاك كان فيه تعدد لقوى سياسية واجتماعية متبلورة فى تنظيمات وتكوينات مؤسسية. ولم يكن فى مكنة أى من هذه القوى أن تنفى الأخريات فى الواقع السياسى. ولو لم يكن التعدد معتمدا فقط على إتاحة الدستورية، وإنما كان يعتمد على الوجود الواقعى الفعال. ولو لم يكن هذا الواقع التعددى قائما لما صدر الدستور منظما للتداول فى السلطة. أضاف البشرى قائلا إن التوزيع القانونى والدستورى يعتمد أول ما يعتمد على التوزيع الفعلى للقوى الاجتماعية والسياسية التى تتبلور فى شكل تنظيمات أو أحزاب أو نقابات وجمعيات. وهو ما نفتقده فى مصر، حيث لا نكاد نجد فيها مثل هذه التكوينات، يستثنى من ذلك جهاز الدولة المصرى بتشكيلاته، وأفرعه المختلفة وجهاز الدولة ذاته تسيطر عليه إرادة شخصية فردية واحدة. وهو وضع ليست له سوابق كثيرة فى تاريخ مصر الحديث. حتى محمد على باشا حيث لم تكن له هذه السلطة الفردية إلا فى سنين قليلة. لقد نشرت دار الشروق هذا الكتاب فى سنة 2006، فى عهد مبارك، وهو لا يضيف أو يفسر الماضى فقط، لكنه يقرأ الحاضر أيضا. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفائزون والخاسرون فى الدستور الفائزون والخاسرون فى الدستور



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon