توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر على طريق التقسيم

  مصر اليوم -

مصر على طريق التقسيم

فهمي هويدي

من مفارقات زماننا وسخريات الأقدار فيه أننا نشهد تنديدا وهجوما شديدا على الشائعات التى تتحدث عن تقسيم مصر، فى حين أن الذين يقودون ذلك الهجوم يرعون بأنفسهم فكرة التقسيم ويكرسونه على أرض الواقع. والفرق بين أحلام المهجوسين بالتقسيم وبين الذين يرعونه ويكرسونه أن الأولين يتحدثون عن مجرد أوهام وشائعات عن تقسيم جغرافى على أساس من الدين والعرق، فى حين أن الآخرين يقيمون على الأرض أسوارا وحواجز نفسية انطلاقا من المواقف الفكرية والرؤى السياسية وربما وظفوا الاختلاف العقائدى فى ذلك. شاعت فى الفضاء المصرى المقولة التى تتعامل مع المخالفين على قاعدة «لا سلام ولا كلام ولا بديل عن التصفية والانتقام». وهى رسالة باتت تتردد بين الحين والآخر، ليس على ألسنة الشباب المنفعل وقصير النظر فحسب ولكننا سمعناها فى خطاب بعض الكبار الذين لم يسلموا من تأثيرات التعبئة المضادة ورواسب الحساسيات التاريخية. إلا أن الرسالة كانت مباشرة وأكثر وضوحا فى الأغنية التى تقول كلماتها: إحنا شعب وانتو شعب، التى لم تختلف فى مضمونها عن رسالة المتحدث باسم تنظيم القاعدة الذى حدثنا ذات يوم من أحد كهوف «تورا بورا» فى أفغانستان عن «الفسطاطين»، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، الذى لا سبيل إلى اللقاء بينهما بحكم التناقض الذى لا يمكن تفاديه. ولأنه لا سلام بينهما ولا كلام فالأصل فى علاقتهما هو الخصام والاحتراب. والصراع بينهما فى حقيقته هو صراع وجود، وبالتالى فإن بقاء أحدهما واستمراره مرهون بفناء الآخر. ليس ذلك فحسب، وإنما إذا دقق المرء فى لغة الخطاب المستخدمة فى صياغة العلاقة بين المؤيدين والمعارضين فى مصر الآن. فسوف يكتشف أنها تعيد إنتاج خطاب التكفيريين الذين ظهروا فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى. وهم الذين روجوا لفكرة «العزلة الشعورية» و«المفاصلة». ومقتضى الأولى أن تكون مع الآخر المخالف فى محيط واحد، لكنك تنأى بنفسك عنه وتحتفظ بمسافة منه. بمعنى أن توجد معه جسدا وجغرافيا ولكن تنفصل عنه نفسيا وشعوريا، حيث تسكن إلى جواره ولكن لا تعيش معه. أما الثانية فإنها تذهب إلى أبعد، حيث تطور تلك العزلة الشعورية إلى موقف يحقق الانفصال الجسدى عن الآخر، ولا يكتفى بالعزلة الشعورية. إن شئت فقل إن المرء فى الحالة الأولى يقيم حاجزا نفسيا مع محيطه، أما فى الحالة الثانية فإنه يقطع الجسور والوشائج التى تربطه به. الخلاصة أننا نعيش تلك الأجواء التى تروج لرفض الآخر المختلف، الأمر الذى يؤسس لثقافة النقاء الفكرى التى تقيم مجتمع اللون الواحد. وإذا كانت النازية قد اعتمدت فكرة نقاء العرق، التى انطلقت من الاعتقاد بتفوق الجنس الآرى على غيره من الأجناس، وإذا كانت الصهوينية تسعى فى الوقت الراهن لتحقيق النقاء الدينى، بحيث تصبح إسرائيل دولة لليهود دون غيرهم بما يفضى إلى طرد العرب وراء الحدود، فإننا نسير على الدرب ذاته. إذ تتردد فى مصر الدعوة إلى إقامة مجتمع الفكر الواحد التى تبدأ بتخطئة التواصل مع الآخر. وقد رأينا كيف أن البداية كانت تطهير الأجهزة والمؤسسات الحكومية من الإخوان، ثم تطورت بعد ذلك حتى تحولت إلى دعوة لمفاصلتهم وتطهير الوطن كله منهم. سمعت بقصة السيدة التى قالت لزميلة لها إنها تريد أن تبلغ الشرطة عن وجود واحد من الإخوان فى البناية التى تسكنها. وحين سألت عما إذا كان الرجل قد أقدم على فعل يستحق بسببه أن يسجل فى محاضر الشرطة؟ كان رد صاحبتنا إن الرجل «فى حاله» ولكن انتسابه إلى الإخوان يشكل خطرا يهدد العمارة بأسرها. وما حدث بين الجيران تكرر مع الأصدقاء فى محيط الأسرة الواحدة. وله نظيره فى العديد من مواقع العمل. وهو ما تمثل فى حملة التطهير التى تمت فى بعض الوزارات استنادا إلى الهوية السياسية. وقيل لى إن إحدى المدارس ألغت عقود أربع مدرسات لذات السبب. وفى العديد من المؤسسات جرى الإبلاغ عن الذين تغيبوا عن العمل أثناء اعتصام رابعة حيث اعتبر هؤلاء عناصر من الشعب الآخر غير مرغوب فيه. وليس ذلك أسوأ ما فى الأمر، لأن الأسوأ هو مباركة بعض المثقفين والليبراليين لكل ذلك. هل سنضطر يوما ما لأن نناقش فكرة إبرام معاهدة صداقة وتعاون مع الشعب الآخر، على أمل أن يوصلنا ذلك إلى تحقيق وحدة الشعبين، فى استعادة لما حققه فرعون مصر الملك مينا. الذى دخل التاريخ بحسبانه موحد القطرين وصاحب التاجين؟ نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر على طريق التقسيم مصر على طريق التقسيم



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon