توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رياح التكفير السياسى

  مصر اليوم -

رياح التكفير السياسى

فهمي هويدي

يعرف كثيرون أن الدكتور محمد البرادعى كان أحد مهندسى ومنظرى إخراج انقلاب 3 يوليو. وأنه كان شريكا فى ترتيب أوضاع ما بعد الانقلاب سواء فى محيط الرئاسة أو فيما خص الاتصال بالعالم الخارجى، أو فى تشكيل الحكومة وترشيح بعض أعضائها. ومن ثم فلا يشك أحد فى أن الرجل وظف خبرته وتاريخه ورصيده المعنوى لصالح إنجاح الانقلاب وتسويقه، وهذه الخلفية لا يستطيع المرء أن يتجاهلها وهو يشهد «الانقلاب» على الرجل الذى صرنا نتابعه هذه الأيام عبر وسائل الإعلام المصرية، التى ما برحت تجرح شخصه وتاريخه حتى قرأت اتهامات له بالخيانة وشاهدت رسوما كاريكاتورية صورته وهو يطعن مصر فى ظهرها، ذلك غير الدعوات التى أطلقت لتحديد إقامته والشائعات التى تحدثت عن علاقته بالتنظيم الدولى للإخوان، وعن إدراج اسمه ضمن الممنوعين من السفر إلى الخارج.. إلخ المحظور الذى وقع فيه الرجل وأدى إلى ملاحقته واغتياله سياسيا ومعنويا يتلخص فى أنه تحدث عن الإخوان باعتبارهم قوى وطنية لا ينبغى تجاهل دورها، ثم إنه رفض استخدام القوة فى اعتصام رابعة العدوية وتحدث عن وجود وسائل أخرى سلمية لفضه وحل الأزمة مع الإخوان، ثم إنه قدم استقالته من منصبه كنائب رئيس للجمهورية بعدما تم استخدام القوة فى فض الاعتصام الذى سقط فيه مئات القتلى وآلاف الجرحى كانت جريمة الدكتور البرادعى أنه اختلف مع شركائه حول مسألة القتل وأراد أن يخلى مسئوليته عن الدماء التى أريقت فأعلن رأيه وقرر الانسحاب من المشهد والاستقالة من منصبه. أعنى أنه اختلف فى الأسلوب وليس فى الغاية. لأنه كان شريكا وجزءا من الانقلاب منذ لحظاته الأولى. لكن ذلك لم يغفر له، فاستهدفته السهام على النحو الذى أشرت إليه حالة الدكتور البرادعى ليست الوحيدة، لأن العدد القليل من المثقفين الذين حاولوا أن يتبنوا مواقف معتدلة وشريفة التزموا خلالها بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. تعرضوا لحملات مماثلة من التشويه ومحاولات الاغتيال عبر وسائل الإعلام، التى نصبت المشانق المحاطة بحملة الأسهم المسمومة. لكل من تسول له نفسه أن يعترض على خطاب الكراهية ودعوات الإبادة السياسية بل والمادية أيضا. ولا غرابة فى ذلك، فقد كتب أحدهم داعيا إلى إحراق الإخوان بـ«الجاز» (يقصد الكيروسين)الملاحظ أن حملات التجريح والاغتيال هذه تتم فى أوساط عناصر كانت ومازالت معارضة للإخوان ومخاصمة لهم، وهو ما يصوِّر لك مدى حدة الاستقطاب وعمق مشاعر الكراهية التى جعلت البعض لا يحتملون أى قدر من الاختلاف مع رفاقهم ونظائرهم. ودهشتنا تتضاعف حين نجد بين حراس المشانق وحملة الأسهم المسمومة مثقفين وأكاديميين محترمين كانوا يعظوننا طوال السنوات التى خلت فى الدعوة إلى التسامح وضرورة احترام الرأى الآخر والالتزام بقيم الديمقراطية والتعددية... إلخ إذا كان ذلك يحدث بين أبناء الفصيل السياسى الواحد، بحيث أصبح الاختلاف فى الوسائل مسوغا للاتهام بالأخونة وبتقاضى الأموال من التنظيم الدولى وصولا إلى الاتهام بالخيانة، فلك أن تتصور ما يمكن أن يرمى به المحايدون على قلتهم، ناهيك عن الذين اختاروا الاصطفاف إلى جانب الفصيل الآخر المعارض للانقلاب، سواء كانوا من الإسلاميين أو من المستقلين. وفى مثل هذه الأجواء فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن الطريق نحو إقامة غرف الغاز وتجهيزها للمحرقة الكبرى بات مفتوحا وممهدا. والذين تحدثوا عن إحراقهم بالكيروسين أو اعتبروا أن مجرد الإعدام قليل على رموز المعارضين، حتى إذا كانوا يمثلون أصواتا استثنائية، يهيئون الأذهان للقبول بفكرة المحرقة ربما جاز لنا أن نقول الآن إننا بصدد الدخول فى طور التفكير السياسى. ذلك أنه إذا كنا قد شهدنا تراجعا لدعاة التكفير الدينى الذين يخرجون من عداهم من الملة الدينية، فإننا الآن نواجه تكفيرا مماثلا فى مصر لإخراج المخالفين من الملة الوطنية لا أمل لنا فى تجاوز هذه المحنة سوى أن نراهن على ثبات القلة القليلة من أصحاب الضمائر التى لم تشوه ولم تمت، لأنهم وحدهم يقدمون الدليل على أن الجنون ليس مطلقا وأنه لايزال فى مصر بقية من عقل تعطينا بصيص أمل فى مستقبل أكثر تفاولا وأقل تعاسة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رياح التكفير السياسى رياح التكفير السياسى



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon