توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بمناسبة أن الدنيا ربيع

  مصر اليوم -

بمناسبة أن الدنيا ربيع

وائل عبدالفتاح

لنتخيل أن الأصل فى السياسة/ بكل ما تعنيه من عمليات إدارة الحكم/ وبناء مواقف تتطور بها أدوات الحكم/ هى الحصول على السعادة/ وفى الديكتاتورية يحتكرها شخص واحد/ وحاشيته وعصابته/ أما فى الديمقراطية فتتسع نطاقات السعادة. هذا اختصار سيبدو للبعض مخلا/ أو رومانتيكيا/ حالما/ أو منفصلا عن الواقع كما يحب المتورطون/ الغارقون فى الواقعية اعتبار أن الواقع فقط/ قلة الإمكانيات أو محدوديتها أو عجز الخيال. وكلما سمعت طلب «خليك واقعى» يتبعه كلام عن تحجيم الخيال/ والنظر إلى الممكن/ وهذه السياسة/ لكن الثورة هى توسيع هذا الممكن/ كسر الأسوار المقامة حول واقع مغلق تتوزع فيه الأنصبة والمصالح حسب قوانين لم تعد صالحة. الواقعيون هم مقبرة الثورة أم حفارو هذه القبور فهم الخائفون من التغيير/ عباد الاستقرار/ اللاهثون باتجاه الأب بعد أن يموت الأب/ والطالبون لمغفرة سلطة ظالمة بعد الثورة عليها. لكن هؤلاء لهم معذرة/ سعادتهم فى الحفاظ على مواقعهم/ والتواطؤ مع الأفق المسدود باعتباره الجنة الممكنة.. و«خليك واقعى.. أحلامك ودتنا فى داهية.. وثورتك نكستنا». إنهم يرددون خطابات أسياد مرحلة الفساد والاستبداد/ هؤلاء الذين حجزوا مواقع متقدمة فى مدرج السلطة/ حين كان كل حياتك تمر فى البحث عن دائرة علاقات تمنحك النفوذ/ أو أرقام تليفونات ضابط أو وكيل نيابة يعيد لك الرخصة/ أو يحميك من حفلات أقسام البوليس. لن تفرق معهم هؤلاء أن تمر الحياة فى تلك العمليات السخيفة/ لكن من يردد كلماتهم تعبيرا عن عدم استيعابه للتغير ما دام يؤثر سلبا (فى الدخل والأمن) تلك الرشوة التى تمنح نظم الاستبداد… لهم بعض العذر.. إنهم واقعيون تعودوا على العيش بالرشوة/ وحياتهم ترتبت فى انتظار «مستبد عادل»/ المهم العدل… ولهذا وجد عشاق عبد الناصر متسعا للاحتفال وترويج فكرتهم: «إن مستقبلنا السعيد فى ماضى الديكتاتورية النبيلة…». كل هذا ليس عيبا فى حد ذاته/ فجماعات المنتظرين لعودة الزعيم أو الأمير سيظلون كذلك/ لكنهم يشعرون بالزهوة فى غياب بدائل/ أو عدم قدرة العشب الذى نما فى الصحراء التى كانت قبل الثورة.. على مقاومة التصحر الجديد. بمعنى أن الثورة جاءت بعد عملية تصحير ممنهجة من نظام مبارك/ قامت الثورة بدون أحزاب/ ولا كيانات سياسية/ولم يكن فى مجال الرؤية سوى شجرتين قديمتين الأولى لمنتظرى الخليفة (الإخوان) أو منتظرى المستبد العادل (الناصريين).. وعلى اختلافهما/ فإنهما ينتميان إلى أيديوجيات شعبوية/ لها علاقة سلطوية باتباعها. الثورة انفجرت والبلد كلها صحراء يقيم مبارك قلعته بجهاز أمنى/ وعلى هامشه شجرتان إحداهما أكبر من الأخرى/ وكلاهما شارك فى الثورة التى قامت على السلطوية من أجل استرداد الحق فى أن تكون الشجرة الواحدة غابة. وعندما تصور الإخوان أن شجرتهم ستحتل الصحراء وحدها/ وكانت معركتهم الحقيقية ليست مع السلطة أو النظام أو مؤسسات الدولة العميقة، لكن مع من نشروا العشب الأخضر فى الصحراء/ كيف يحرقون الأخضر الذى ما زال بلا جذور/ وكيف تعود الحياة السياسية يابسة لتتحول الشجرة إلى مظلة حكم الفقيه القادم من عصر الظلمات الأسود. العشب/ الذى ينتشر بلا جذور كما يقول صديقى الذى شعرته أنه قديم من أول جلسة الدكتور طارق أبو النجا/لكنه قادر على تفكيك تلك الجذور القديمة للسلطوية/ وانتظار المخلص الهابط من سماء النبوة أو البطولة المطلقة… ساعتها فقط يمكن أن يكون للعشب الأخضر جذور… لنفكر قليلا… لا يمكن العودة إلى الصحراء والتخلص من الإخوان باعتبارهم خطرا/ وليس تنظيما قريبا/ ولا بد من التفكير ماذا بعد؟ هل ننتظر مخلصا/ بطلا/ مهما كان نبله (ينافس نبل عبد الناصر) فإن دورة قدرته على السعادة قصيرة قصر الفرجة على فيلم فى السينما… فإن البطل بعد أن يهزم يتحول بطلا على الشعب الذى صنع منه البطولة، خاصة عندما يعود الشعب إلى الكنبة منتظرا المعجزات… هذا معناه… وبوضوح أن هناك إمكانية للتصالح مع التاريخ ليس من مدخل التمجيد والتأكيد على الأسطورة… لأن المجد عندما يكون فى الماضى فإن بؤس الشعوب يتجلى بانحطاط بالغ.. كما أن الأساطير عندما تكبس على الأنفاس تتحول الأفكار إلى مجرد زغاريد أو لعنات… هكذا فإننا من سنصنع سعادتنا/ إن أردنا/ أو على الأقل يمكن أن نسير فى رحلة إليها/ إذا نظرت إلى الماضى بغضب… وتخلصت من ثقله… مع الاحتفاظ بالمحبة… فالفرد يقتل الأب بالمعنى الفرويدى ليولد كائنا حرا… وهذا لا يلغى المحبة الواقعية للأب. "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بمناسبة أن الدنيا ربيع بمناسبة أن الدنيا ربيع



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon