توقيت القاهرة المحلي 08:43:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخوف من الجامعة

  مصر اليوم -

الخوف من الجامعة

وائل عبدالفتاح

عادت الجامعة فى عيد استقلالها. صدفة أن تعود الدراسة بينما تُستعاد ذكرى استقالة أحمد لطفى السيد سنة ١٩٣٢ من رئاسة جامعة القاهرة احتجاجًا على إبعاد طه حسين. الجامعة الآن ليست تحت أَسْر الدبابات والمدرعات الأمنية فقط لكنها تحت أَسْر العقول التى لا تريدها أن تكون «جامعة» أو فضاء للعلم والحياة والحرية للعقل والبحث.. هذا هو الأَسْر الكبير الذى تراه مرة فى جحافل الأمن ومرة فى ميليشيات الجنازير من الإسلاميين ومرات من أساتذة يعيدون عصر هز الدماغ والسمع والطاعة فى الكتاتيب…القوى الخائفة من الجامعة تضعها تحت الأَسْر لتضمن السيطرة على المجتمع من المنبع. لماذا تخاف السلطة من الطلاب؟ أسئلة ليست هى المهمة، فالأشياء الملتبسة جعلت الجامعة ساحة حرب فعلًا. الشراكة (بين النظام الأمنى والإخوان) التى كانت بالأمس سلطة موحَّدة لتحويل الجامعة إلى مستعمرة أو صوبة تربية تحولت إلى معركة بين الأمن والإخوان، لم يتورط الجميع فيها فقط/ لكنها نكشت الخفىّ والمستور فى أحوال الجامعة. والجامعات فى مصر أحد مفاتيح المأساة (على رأسها جامعة القاهرة/ الأم/ الشقيقة الكبرى فقدت مواقعها فى الترتيب العالمى ولم تحصل على مكان بين أهم 500 جامعة فى العالم..). والالتباس لم يعد يخص تطبيق مبدأ «الجامعة للعلم فقط.. ولا سياسة فى الجامعة»، لأن هذه المفاهيم كانت تعنى أنْ لا علم فى الجامعة، والسياسة من حق السلطة فقط أى «توجيه وإرشاد الطلاب إلى طاعة السلطة». الجامعة فى مصر تسير أبعد قليلا عن هربرت ماركيوز وأفكاره عن تثوير الطلاب للدولة/ أو قيادتهم باعتبارهم «كتلة حرة» لمجتمع واقع تحت سطوة سلطة الاستبداد. ..إذن، عاد الحرس. المحكمة أصدرت قرارا بعودة الحرس الجامعى/ بوليس الجامعات/ بعد أن أُلغِىَ وجودُه بالثورة. عاد الحرس فى ميلودراما ثورية تغلق الأسئلة بالأمن/ حيث غرست السلطة الجديدة أداتها القديمة (.. دون تفكير فى التغيرات التى طرأت على الأرض..) كأن الجامعة يمكن أن تعود أو أن الأجيال التى واجهت السلطة فى الشوارع يمكن ترويضها بنفس الأداة؟ تحتار حكومة المقاولين/ الجنرالات فى الجامعة التى لم تعد تصلح حتى لكوميديا تحصل فيها «زوزو» على جائزة الطالبة المثالية ويصرخ فيها الطالب الذى يغلق قميصه حتى الزرار الأخير «جمعاء..».. الحكومة حائرة فى موعد إعادتها/ وموقع الشرطة داخل/ خارج الحرم.. وإنها كما قال الوزير الجديد «للعلم فقط…»، بينما كانت كوميديا صلاح جاهين وسعاد حسنى وحسن الإمام «خلّى بالك من زوزو» تطرح أسئلة حول تأثير الجامعة فى المجتمع «هل حررت المجتمع من أوهامه فى تقسيم الطبقات؟ هل تصنع مستقبلا أم تبقى أسيرة الماضى؟»... الجامعة التى اختارت قصة أحمد لطفى السيد رمزا لاستقلاليتها/ وكان وقتها يضع الجامعة فى إطار معركة الحرية لا فى تحويلها إلى إدارة عموم مخازن موظفى دولة الجنرالات المقنّعة. الجامعة كانت ممرا لحركة المجتمع وسلّمًا للصعود الاجتماعى، لكنها بعد أن استقالت الدولة من مهامها البطولية/ واكتظت الدواوين بالموظفين أصبحت عبئا أو فاتورة تدفعها الدولة لتحافظ على وهم القطعان فى «الشهادة الجامعية». لم نعرف الجامعة إلا بأسوارها وحراسها وفقدانها مزايا الحريات التى حاصرها شركاء السلطة (الشرطة طاردت السياسة، والإسلاميين طاردوا أول مكان للقاء اجتماعى حرّ…) وهنا ظهرت فرق مخبرين وبصاصين لصالح «أمن الدولة» وفرق الأخلاق الحميدة التى صنعت فواصل بين الطلاب والطالبات وهندست الحيز الاجتماعى لتنتصر الثقافة السلطوية المحافظة. والجامعة بداية من الثمانينيات كانت ساحة حرب يقف على أبوابها شرطة النظام ويحتل فضاءها العام منافسوهم أو شركاؤهم من منتظرى الخلافة/ ورسل الوصاية من عناصر الجماعات الخارجة من عباءة الإخوان. بهذه التركيبة (سلطة على الأبواب وإسلاميون فى الساحات) لم تَعُد الجامعة مفتوحة على المجتمع/ تسللت سطوتها إلى الجامع/ وتحولت إلى مستعمرات نوع من العقاب الجماعى يسمونه تعليما/ لكنه طقوس الدخول فى قطيع لا يتعلم/ لكنه يحمل شهادة ليكون شاهدا على مسار الحداثة المشوهة. على أبواب الجامعة حراس. لم يكن الأمر كذلك حتى قررت السلطات أن تعيد بناء «مؤسسة العلم» لتصبح مؤسسة تدوير «الثقافة السائدة» ومصانع «للمواطن المدجّن المحشوّ بالمحفوظات، الخالى من قدرات التفكير والنقد وتحرير الخيال».. الجامعة تحولت إلى «مؤسسة حفظ كتالوج المجتمع» وإنتاج: المواطن حامل الشهادات ومنتظر المِنح والعطاءات. الجامعة أيقونة الحداثة/ التى شهدت منذ سنوات، وبالتحديد انتفاضات الطلاب على السلطة/ بعد الهزيمة العسكرية (يونيو ١٩٦٧) أو فى بداية الانحراف عن مسار الحرب إلى السلام (بعد كامب ديفيد)، أصبحت عدو السلطة التى أسست أبراجها الحداثية/ ثم مارست داخلها كوكتيل القمع الموروث من أيام الفراعنة مرورا بكل أنواع الغزاة لتصنع نظام استعمار وطنى يستهلك الحداثة فى صنع وترويض قطعانه المخلصة. الجامعة تغلق أبوابها. السلطة خائفة. لم تحتمل شهورا دون حراسها على الأبواب/ أعادتهم إلى داخل الحرم التعليمى/ وعادت كل مقولات إغلاق فضاء الحرية/ تلك المقولات الناصعة مثل بودرة الغسيل/ اللامعة كالأسطح المصقولة/ مقولات مثل «الجامعة للعلم فقط».. تلك المقولات يرددها اليوم الأنيقون المحايدون كرسل لاستعادة الجامعة من الفوضى/ وهم مندوبو دعاية يبيعون مساحيق غسيل الأدمغة، فهل هناك علم دون حرية؟ وكيف توجد الحريات وسط حراس يفتّشون الأفكار قبل الحقائب؟ لم يعد أحد مهتمًّا بالعلم إلا كاستعراض تنتظم فيه صالات المحاضرات دليلا على انتظام عملية التلقين/ وتفريغ حقيبة الأستاذ من «ملازِم المذكرات التى أعاد فيها قص ولصق مناهج قديمة مستهلكة» لتكون قرابين التخرج من الجامعة. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخوف من الجامعة الخوف من الجامعة



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon